أقتبس هذا من كلمة السيد الرئيس بشار الأسد التي ألقاها في السادس من كانون الثاني الماضي، حيث طرح سيادته برنامجاً سياسياً شاملاً للخروج الآمن من الأزمة، ولتسجيل انتصار جديد على قوى البغي والعدوان يضاف الى سلسلة انتصارات سورية التاريخية، أقتبس هذا في هذا التوقيت بالذات وأنا وكثير من السوريين على ثقة تامة بحتمية انتصار شعبنا والدولة والوطن السوري على المؤامرة الكونية التي تستهدفه.
صحيح أن السوريين لم يجدوا مطرحاً للفرح في حياتهم خلال السنتين الماضيتين، وصحيح أن حجم المعاناة كبير جداً، وصحيح أن سورية ربما مجروحة ومطعونة في الصميم بسبب ضلالة بعض أبنائها وجور الكثير من أشقائها وأصدقائها عليها وعلى شعبها، غير أن الصحيح أيضا أن هذا الشعب الحي في أكثريته الساحقة ما زال يؤمن بالوطن والعروبة. لم يكفر بهما ولن يفعل رغم كل الذي جرى، بدليل أنه يكتب كل صباح سطراً جديداً في أسطورة الصمود والثبات والتحدي، ويسجل كل يوم قدرة غير مسبوقة على التصدي للهجمة الشرسة، ويبدي حالة من الترفع عن دناءة وخفة وخسة الخصوم المستعربين.
في ساعة غضب، وفي لحظة عاطفية انفعالية قد يدعو بعض السوريين الى جعل الأعراب والمستعربين يتذوقون المرارة من ذات الكأس، و ربما يبدي الكثير من السوريين استعدادهم للقيام بعمليات ثأرية في قلب الدوحة والرياض تشعلهما ناراً وأخواتهما في بلدان الخليج الفاجر، غير أن هذا البعض وأغلبية السوريين الذين يقاومون الفكر الظلامي ويرفضون مشاريع الفتنة يدركون أن النصر إنما هو صبر ساعة، وأن المنتصر هو من يمتلك الحضارة والتاريخ ومن يجيد تحمل الألم والتضحية بأغلى ما يملك من أجل الوطن.
يخطىء كثيرا من يعتقد أن سورية ضعيفة أو عاجزة عن إذاقة الأعراب والمستعربين المر والعلقم؛ ولو أرادت وارتضت لفعلت باقتدار، بل وفي بضع سويعات، لكنها ترفض ولا تلعب ألعاب الصغار والحاقدين والهواة لأنها كبيرة وواثقة ومحترفة، خُلقت هكذا وستبقى، ولأنها تثق بقدرات شعبها على مواجهة واسقاط كل استهداف لفسيفساء مجتمعها أو لجغرافيتها التي لا تقبل القسمة إلا على الرقم الأبجدي "السوري" الأول في تاريخ البشرية.
ما يجري ليس خلافاً ولا اختلافاً بين فريقين، ولا هو أزمة وطنية كما يحلو للبعض أن يقول ويشخّص، وانما هو صراع بين مرتهنين للخارج فقدوا سوريتهم، وبين سوريين وطنيين يحفظون حرية واستقلال الوطن، ولو كان غير ذلك لما حصل كل هذا التدمير الممنهج في أربع جهات سورية، ذلك أن الخلاف بين أبناء الوطن الواحد ينبغي أن يكون على بنائه لا على تدميره، وعلى حمايته لا على استباحته، ولذلك يجتمع السوريون اليوم على محاربة الإرهاب، وعلى مقاومة محاولات شق مجتمعهم، ويتمسكون بوحدتهم الوطنية، ويجمعون على استحالة قبول سورية القسمة إلا على نفسها وذاتها السورية، ويؤكدون على الذهاب الى الحوار والتحاور اجتراحاً للحلول التي تحفظ الوطن؛ واستيلاداً للأمل من رحم الألم.