18 شهراً استغرق العمل بتشكيل اللجنة حتى أبصرت النور، بَحثاً في مهامها وآليات عملها ومَرجعياتها، وتَحييداً للطروحات التي كان يُراد منها فتح نوافذ لتدخلات خارجية لا هدف لها سوى إعاقة عملها وربما تفجيرها من الداخل، وإقفالاً لأبواب مُمارسة الضغوط لتَصفير احتمالات الانحراف الناتج عنها.
على الرغم من كل ما تَقَدّم، لا يُخفي السوريون القلق والخَشية! لماذا؟ هل لأن الثقة بالأمم المتحدة غير مُتوفرة؟ أم لأن تجارب الماضي المُشابهة في غير مسألة وفي حالات مُختلفة ومُتعددة تُبرر للسوريين الخشية والقلق، بسبب ما تَركته تلك الحالات والتجارب من آثار غير مَقبولة؟.
هواجسُ السوريين اليوم لا تَنطلق من أيّ مَخاوف حقيقية من أن يتمكن الأعداء من تسجيل اختراقات تُعيد الإرهاب تَدويراً لفصائله وتنظيماته، ذلك من بعد دحرها، ومن بعد الانتصارات التي تَحققت لهم بفعل الصمود والثبات، وبفعل بطولات وتضحيات جيشهم الباسل الذي قهرَ قوى العدوان وأدواته، وإنما تتعلق - الهواجس - بالأمم المتحدة وبامتلاكها شجاعة البيان من عَدمه، لجهة الإعلان الجَريء عن الجهات أو الأطراف التي تُعطل وتُعرقل بحال حصل مثل هذا الأمر.
لا نُشكك بالأمم المتحدة ولا نَتهمها رغم أن أداء مَبعوثيها باستثناء غير بيدرسون كان فتحَ المجال واسعاً للتشكيك والاتهام خاصة ديميستورا الذي كان طرفاً باصطفافه الفاضح خلف قوى العدوان، وبتَبنيه كل الأفكار الشيطانية التي اشتَغلت عليها واشنطن ومُلحقاتها خلال سنوات الحرب. لا يتوقف الأمر عند ذلك بل يَتخطاه، إذ أعلنت موسكو غير مرّة عن الأطراف التي كانت تُعرقل تشكيل اللجنة، فيما لاذت الأمم المتحدة بالصمت مع مَعرفتها التامة بأداء واصطفافات مبعوثها آنذاك ديميستورا!.
وإذاً، فامتلاك شجاعة البَيان بالكشف عن المُعطلين، المُعرقلين، وكل الذين يُبيتون النيّات الشريرة التي تتجاوز ربما العرقلة والتعطيل، هو أمرٌ أساسي في هذا التوقيت، بهذه المرحلة، وما لم تَمتلك الأمم المتحدة جَرأة الكشف وشجاعة البَيان فإنها ستكون كمن يُصوّب البندقية إلى صدره، وكمن يَرغب بتَثبيت الشُّبهة عليه والاتهام له ولأدائه.
سَهّلت الحكومة السورية عمل الأمم المتحدة ومَبعوثيها فضلاً عن مؤسساتها ومنظماتها المُنبثقة عنها، لم تَرفض مرّة مُبادرة سياسية للحل، بل تَعاطت بإيجابية مع كل المبادرات والجهود المبذولة، ويُشارك وفدها اليوم باجتماعات جنيف بهذه الروحية، لماذا؟ لأنها واثقة قوية، ليس لديها ما تُخفيه، ولا ما تَخافه وتَخشاه، وربما لأنها تتمتع بهذه المَقادير من الثقة والقوّة، تَنبري قوى العدوان للقيام بفعل ناقص بالاتجاه المُعاكس، إذا ما وقع فالشعب السوري - ومعه العالم كل العالم - يَنتظر من الأمم المتحدة ألّا تتخلفَ عن واجبها بفَضحه وكَشفه وبَيانه، وبتسمية الأشياء بأسمائها مُباشرة لا مُداورة.