سواء بالنهب المنظم لثرواتها أو باستتباعها وإلحاقها بماكنتها السياسية الاقتصادية الجبارة . وعبر التاريخ الاستعماري الطويل والمرير تعاقبت الدول الاستعمارية وصولاً إلى أميركا اليوم على ابتداع وتطوير نظم واستراتيجيات التسلط والهيمنة، بدءاً بالسيطرة عبر الاحتلال المباشر، وصولاً إليها عبر احتكار لثقافة المعلومات .
غير أن بدايات أفول القطب الرأسمالي وتراجع قواه الاستراتيجية في مواجهة القطب الآخر الناهض والمتشكل من روسيا والصين وجملة المنظومات الدولية الجديدة المتحالفة معهما , بدأ ينعكس أفولاً موازياً في أدوات النظام الرأسمالي ومناهجه في السيطرة والتحكم وبينها الإدارات السياسية في الدول الاستعمارية وفي مقدمها أميركا , إذ يجري تحميلها وزر ذلك , وكما لو أن هذه الإدارات هي المسؤولة مباشرة , كما يجري لوم إدارة أوباما مثلاً اليوم في ارتباكها وتخبط سياساتها تجاه سورية وأوكرانيا .
على الدوام , ودون أن يظهر ذلك بشكل علني مباشر , كانت القوة الاقتصادية ثم القوة العسكرية الناتجة عنها أساس القوة السياسية والدبلوماسية لأي دولة ومجتمعها , فسطوة أميركا السياسية والدبلوماسية كانت على الدوام ملازمة وموازية لسطوتها الاقتصادية الاستعمارية , وإذا كان سوء طالع الرئيس أوباما وإدارته جاء به إلى البيت الأبيض في أعقاب الهدر والتبذير الأميركي الحربي والاستعماري خلال ولايتي سلفه جورج بوش , فقد زاد في سوء حظه أيضاً نهوض قوى اقتصادية عالمية تناقض وتنافس وتردع قوة اقتصاد بلاده ووفرة مواردها , ما شكل عبئاً غير مسبوق على إدارته السياسية .. فأربكها وأعجزها، وضيع عليها جزءاً من أهدافها وقدراتها على الحركة والتصرف، لتبدو عاجزة مترددة غير حاسمة .
المشهدان السوري والأوكراني يعبران بوضوح عن تلك التحولات الاستراتيجية التي يعيشها عالم اليوم , غير أن الغرب الرأسمالي الآفل لامحالة، وفي مقدمه أميركا وحلفاؤها من الطحالب والإشنيات الخليجية مثلاً لا يريدون تصديق ملامح المشهد الجديد وتحولاته الحتمية , وسيظلون يراهنون عبثاً على مراوحة التاريخ حيث وصل !
khalashhab@gmail.com