هي ليست ثقافة وحسب وإن تضمنت عبارة «ثقافة» التجربة والتعلم.. بل هي أخلاق.. آخر رواية قرأتها كانت بعنوان «النمر الأبيض» للهندي «دارافند دثيا»، تمزج بين السخرية والنقد للديموقراطية في بلد عريق إلى حد ما، ومحترم في هذه التجربة «الهند». وقد أبدع أدباء أميركا الجنوبية روائع الأدب في سخريتهم السوداء من التجارب والمحاولات الديموقراطية في بلادهم.
عندما تغيب الأخلاق عن الديموقراطية لا تستطيع أن تعلنها نتائج صناديق الاقتراع.. لكن هذه الأخلاق لن تتشكل إلا بتكرار التجربة حتى يعرف الناس حاجتهم لها..
يقترن اسم الديموقراطية بشكل عام بالحرية.. علماً أن الأولى هي لتحديد الثانية.. بل للجمها.. ومع ذلك لا يمكن أن تقوم الديموقراطية إلا بالحرية.
يبدو لي أحياناً أن ثمة استسهالاً خطراً حول الأخذ بهذا الاتجاه.. لكن لابد من التجربة.. ومن معيقات التجربة أن يسبقها العمل بالنتائج المفترضة.. مهما كانت المخاطر والاحتمالات لابد من الإقدام على التجربة.
الدساتير هي إطار العقد الاجتماعي العام لفتح باب الديموقراطية.. على أنها لا توصل بالضرورة إليها.. لكن لابد منها. وهي نصوص استحال على البشر أن يضعوها أو يجدوها كاملة.. لأن الحياة أوسع من إمكانية إيراد حاجتها بنص مكتوب.
تتعدد الدساتير.. وتبعاً لها تتعدد الديموقراطيات.. وليس بينها كلها كا يخرج عن إمكانية النقد.. مثلاً.. الديموقراطية البريطانية من أعرق التجارب.. لكنها تعيش مشكلات وأعراضا مرضية ابتداءً من نفقات العائلة المالكة وليس انتهاءً بأسس تشكل بريطانيا العظمى.. وبالمناسبة تواجه بريطانيا بعد عامين مخاطر التقسيم، إن تم استفتاء الأسكتلنديين على استمرار وجودهم في الإطار البريطاني.. وسيخلق ذلك هزة عنيفة تؤكد إما عيباً في التجربة.. وإما أن التجربة عجزت عن حماية الدولة.
حول الدستور الأميركي كتبت مجلدات في النقد..
الدستور الفرنسي تعرض لتعديلات متكررة خلال القرن العشرين.. وبالمناسبة للذين لا يتذكرون فقد استقال عملاق فرنسا الحديثة الجنرال ديغول لأن الشعب خذله في تأييده على تعديلات دستورية.. لقد حاول أن يعيد صرخة سلفه نابليون بونابارت «فرنسا أنا وأنا فرنسا» وفي المرتين كانت الخسارة.
السوريون ليسوا في بداية الطريق.. بل لهم تجربتهم منذ الاستقلال.. وهي تجربة لم تستطع أن تراكم مجتمعاً ديموقراطياً، لكنها حققت إنجازات يجب حمايتها..كي تبقى الدولة.. ويبقى محل لتجديد التجربة..
برأيي أن الدستور الجديد يحوي خطوات فعلية في الاتجاه الديموقراطي كإطار شامل.. التعددية عوضاً عن الحزب الواحد.. ولكل سلطة عمرها ولا أبدية..
أليسمن ملاحظات عليه..؟!
بل هناك الكثير كما هي الحالة في كل دساتير العالم.. لكن.. طالما أن السوريون كتبوه.. يستطيع السوريون أن يعيدوا كتابته كلما اقتضت الحاجة.
فلنعبر من هذه البوابة في خطوة هي بجد تاريخية.
*تستخدم عبارة «دستور» في الكلام بين عدد من المجتمعات السورية، كطلب إذن لتقول شيء أو للقيام بفعل ما..
as.abboud@gmail.com