اختاروا أيها العرب وتخيروا أي فلسفة أو طريقة تفكير أو وجهة نظر أو موقف تريدون، وأي نص مقدس أو غير مقدس، وأي إفتاء أو تبرير أو تفسير, أو أي اقتباس أو تأويل أو اجتهاد، وأي تجربة اجتماعية قديمة أو حديثة.. حكموه واحتكموا إليه، واسألوا:
إذا كان الفساد وسوء توزيع الثروة بكل معانيه ودلالاته المادية والفكرية مسوغا للثورة في أي مكان، فما حال هدر مئات مليارات الدولارات من عائدات الثروة النفطية على عقد صفقات سلاح وفولاذ لا تشكل دول الخليج سوى مخازن لها على الأكثر، دون امتلاك أي قرار لاستعمالها في أي مكان وزمان, اللهم إلا ما ينفع منها في قمع الشعوب الخليجية، وفي شراء «المونديالات» الرياضية ونواديها الأوروبية، وفي بناء القصور وشراء اليخوت وأسهم الشركات المفلسة في أوروبا وأميركا، وفي الملذات الشخصية لحكام الخليج ومشايخه ونسائهم الكثيرات وأولادهم الأكثر، وعلى شراء وتشغيل أعداد هائلة من الفضائيات على الأقمار المختلفة، والتي تتوزع رسائلها الإعلامية بين نشر الإباحية وتشويه الإفتاء وملاحقة إبل وجمال تجري في الصحراء طوال النهار والليل بسيارات الدفع الرباعي.. أفليس كل ذلك الهدر مبررا لشعوب الدول الخليجية كي تثور على حكامها؟
وإذا كان نقص الحريات العامة وإساءة بعض الحريات الشخصية مبررا للثورة, فما حال الشيوخ والملوك والأمراء وقوانينهم الهمجية البدائية وصلاحياتهم التي تفوق أعتى ما أنتجه جلاوزة التاريخ القديم وطغاته وظلامه في فرديتها ومزاجيتها، وحيث الجلد وقطع اليد أو الرجل أو اللسان أو الرأس هي الأحكام القضائية الأكثر شيوعا، وحيث المرأة, وهي نصف الشعوب الخليجية، تغتصب على مدار الساعة جسدا وروحا سواء في منعها وعقابها على قيادة سيارة أو على مشاهدة لعبة رياضية أو على سيرها منفردة في شارع، أو على رفضها تنفيذ غرائز «مالكها» الحيوانية والشاذة، وحيث الموت الزؤام بانتظارك إن أنت فكرت أو حاولت أن تفكر بما هو خارج الأنا الدنيا في عقلك الفطري أو المكتسب.. أليس كل ذلك أدعى لدى شعوب الخليج العربي إلى الثورة منها إلى الاستكانة؟
أما الديمقراطية وما أدراهم ما الديمقراطية ومؤسساتها.. حيث لا دساتير قديمة أو حديثة هناك سوى بلاط الملك والأمير وما ملكت أيمانهم من الحاشية, وحيث لا مؤسسات أو هيئات أو مجالس منتخبة ولو كان الانتخاب صوريا سوى ما انتخبه العاهل من أصحاب الحظوة من حواشي وبطانة «صالحة» بالنسبة إليه وإليه فحسب، وحيث لا أحزاب ولا آراء سوى حزب العاهل ورأيه، ولا مثقفين ولا جهلة ولا أنصافهم سوى قطيع مطيع وراع مقيم في الحكم من المهد إلى اللحد، ولا خطط ولا موازنات سوى العطايا والمنح والهبات و «فضلة الخير» القادم من عمق الأرض !
أيها العرب، إذا ما أسعفكم الحد الأدنى من المعرفة والثقافة في الإجابة عن هذه التساؤلات، فستجدون ألسنتكم تنطق بسؤال بسيط وسهل وعفوي آخر.. لماذا لا يثور عرب الخليج على آلهاتهم المحنطة قبل أن تولد إلى ما بعد أن تموت؟؟
khaledalashhab@hotmail.com