وأغرته بالاستطالة مراهقة سياسية متورمة إلى حد الغثيان، ولو بدت متحركة ومتلونة إلى الحد الذي باتت فيه مجرد تعبير مرضي عن عصر الحقد الدفين بنسخته المحدثة.
الصدمة بدأت على حد تعبير خارجية أردوغان من تصريح الخارجية الأميركية، التي وجد فيها جهابذة السلطنة البائدة أنها تساوي بين تركيا والآخرين، وهذا يشكل إهانة للعرف السلطاني!! فيما كانت الصفعة غير المنتظرة من فرنسا، وهما الشريكتان في الدفن وكانا أهل الميت وصديقه وكل من تبقى من أرباب نعمته، وربما الشاهدين اللذين لم يفترقا منذ أن غزت فكرة استيقاظ الأطماع الاستعمارية والاحتلالية مفرق الشيب في الرأس التركي المتهور والعقل الفرنسي الملوث ببقايا صفقات المال الخليجية.
المفارقة ليست في صيغ من التحايل السياسي والعناوين العريضة، التي تتجاوز طاقة الحلم الأردوغاني على النفاذ خارجها، بل في شروط تركية واشتراطات تتجاوز الحيّز السياسي والأخلاقي والقانوني، لتصل إلى حدود الفجور بكل ما تعنيه الكلمة، حيث يضع خطوطاً حمراً هنا وخضراً هناك، ويصبح حديثه عن التنظيمات الإرهابية ودفاعه المستميت عن وجودها شاهد إثبات على العلاقة، وقرينة على التناغم مع هواجسها ومخاوفها، حتى بدا الهلع التركي أكثر وضوحاً في بعض جوانبه من نظيره لدى الإرهابيين.
على الضفة الموازية، كانت السقوف السعودية المرتفعة تصطدم بواقع التجاهل الدولي، واعتبارها حالة من الهيجان السياسي، الذي تغلب عليه لغة الانفعال، والتي حولته إلى زوبعة في فنجان، علاجها الوحيد الوقت المتدحرج الذي يكفل تلاشيها أو حتى سحبها من التداول، حيث النفي التركي لوصول طائرات سعودية إلى قاعدة «انجرليك» لا يلغي الفكرة، لكنه يدفع إلى الجزم بخفايا الحشد السعودي التركي لتوريط «الناتو» في معركة يحاول حتى اللحظة ألا ينزلق إلى زواريبها الضيقة، بعد أن نأى بنفسه عن دروبها الواسعة والشاسعة التي ظلت مفتوحة على مدى سنوات خمس مضت.
فالطبل التركي السعودي الذي يقرع إيذاناً بحروب خاصة قابله «المزمار» الإماراتي والقطري بتوكيله للأميركي وتحت قيادته..حيث يذهب المنهج ذاته، ويستدرج بالضرورة المشهد نفسه، حيث الرغبة في استدراج الأميركي إلى حيث يرفض ليست الأولى من نوعها، ولا هي نقطة الخلاف الوحيدة التي تضطر معها أميركا إلى خفض السقوف المتداعية أصلاً بحكم الأمر الواقع، كلما بالغ السعودي في استطالته، أو حين يدفع الهذيان التركي بأحلام سلطنته إلى حدود المقامرة باللعبة الأميركية أو يهدد خيوط إدارتها.
«الناتو» الذي تحمس للحروب الموكلة يعدُّ حتى الألف قبل أن تجره تركيا إلى حيث لا طاقة له، ولا مصلحة، وأميركا التي اعتادت أن تُشعل الحروب وتتقن إدارتها أو توكيلها ليست بوارد قلب المعادلة لتكون وكيلا،ً ولو بمرتبة مدير لحروب الآخرين بما فيها السعودي والتركي، ولو كانت ترى مصالحها محققة في تلك الحرب أو لو كانت حربها منذ البداية لما ترددت كل هذا الوقت، ولا تركت الحبل على الجرار، لكي يمسك الروسي بأوراق يتقاسم فيها مع الأميركي زوايا المشهد، فإذا كانت الحلول لمشكلات المنطقة مستحيلة من دون الأميركي فإن الحروب تصبح أكثر صعوبة واستحالة مع وجود الروسي..!!
لكن.. الحروب التي ترفع رايتها خطابات الجنون التركي السعودي ترمي بحجرها في محيط متلاطم من الأزمات المتفجرة، ويبدو من العسير على العقل أو العقلاء أن ينتشلوا ذلك الحجر من الدوران على بؤر متأججة ومشتعلة، تحركها مصالح وأطماع، وتؤطرها تقاطعات المشهد الدولي المتأزم على حواف حادة.
فالحروب والانزلاق في أتونها، نعرف ويعرف الجميع متى تبدأ، وربما كيف بدأت، لكن لا أحد في العالم بمقدوره أن يتكهن متى تنتهي وكيف تنتهي، حالها كحال حجر يقذفه مجنون، تحتاج لعشرات العقلاء للغوص خلفها قبل أن تغرق المنطقة والعالم في طوفان من حرب مجنونة لا تترك خلفها، ولا تبقي من أمامها.
a.ka667@yahoo.com