وهنا يحدث الاشتباك مع الآخر وعلى مستويات مختلفة لسبب جوهري يتمثل بتعارض المصالح إلى درجة قد تصل إلى الصدام بين مصالح الشعب والقدرة على تمثلها عند الحاكم, معبراً عنها بقرار وطني مستقل أو تماهيها مع الخارج إلى الدرجة التي تفقدها هويتها الوطنية، وفي هذه الحالة تصبح القضية صراع إرادات, وكسر عظم , ومواجهة مشاريع تستلزم قدرة عالية على المواجهة, واستعداد دائم للتضحية مع يقظة وحذر شديدين.
ولعل منطقتنا العربية هي الحالة النموذجية لصراع المصالح والمشاريع والإيديولوجيات لأسباب عديدة، منها: موقعها الجيوسياسي وثرواتها النفطية وموقعها الروحي ووجود الكيان الصهيوني المغتصب فيها، كل هذه المحفزات جعلت المنطقة ومنذ عدة قرون مسرحاً لصراع دولي ومناطق نفوذ لقوى استعمارية كبرى كانت ولا تزال تمارس الدور نفسه في السيطرة، وإن كان بأشكال وعناوين مختلفة تتناسب مع طبيعة كل مرحلة تمر بها العلاقات الدولية ودرجة تمركز القوى الكبرى فيها، ولعل ما جرى ويجري فيها من أشكال للغزو والتدخل المباشر في شؤونها الداخلية منذ بداية القرن الجديد وحتى يومنا هذا هو أكبر دليل على ذلك.
وحتى لا ابتعد كثيراً عن العنوان أقول: إن مشكلتنا في سورية مع القوى الخارجية ومن أكثر من خمسة عقود تتمثل في موقع سورية ودورها في المنطقة التي أصبحت مسرح عمليات مكشوف لتلك القوى، تتمثل في الإجابة عن التحدي التالي: هل سورية بوابة عبور آمنة أم قلعة ممانعة ومواجهة لتلك المشاريع، والذي حصل هو أن الشعب السوري بأصالته ووقوده الحضاري التاريخي وكبريائه الوطني والقومي قد حسم خياراته بالاتجاه الثاني، وهو ما تمثلته قيادته السياسية عبر تلك العقود وبمستويات تحد مختلفة رسمت صورتها ودرجة تميزها القامات السياسية التي مرت على سورية خلال تلك العقود من الزمن.
ولعل ما يميز العقد الأول من هذا القرن هو درجة تركز تلك المشاريع،وانكشاف القوى الفاعلة فيها، ومستوى إسنادها من بعض دول المنطقة وانخراطها العملي فيها، إلى درجة العهر السياسي غير المسبوق ، بحيث تنتقل درجة التآمر من الحالة المبطنة أو المستترة إلى مستوى المواجهة المكشوفة والمباشرة، ودونما احترام لمشاعر الجماهير وإرادتها في التحرر السياسي والكرامة الوطنية، وترافق ذلك كله في بعض الأقطار مع انهيار اجتماعي واقتصادي ، واستراتيجية إفقار وإقصاء للطبقات الاجتماعية المهمشة، مع تسلط وانعدام لأبسط مظاهر الحياة الديمقراطية، هذا كله أو بعضه هو ما جعل الجماهير في تلك البلدان تعلن ثوراتها ورفضها لتلك السياسات ورموزها، ما عجل في إسقاطها واندحارها إلى غير رجعة، وهذا يقرأ بالمعنى الاستراتيجي ووفق خرائط المصالح والإيديولوجيات على أنه هزيمة للمشروع الأمريكي الصهيوني وملحقاته ورموزه السياسية، ولعل ما أسقط في يد الأمريكان أن الذين تساقطوا كانوا أولئك الذين اصطفوا في رتلهم الأعوج وشكلوا بوصلته وراشدته السياسية.
إذاً يمكن وضع ما يجري في المنطقة, وما تتعرض له سورية تحديداً من مؤامرة كبرى تستهدفها كوطن وموقف، في إطار لعبة توازن الخسائر تلك بحيث تكون سورية المقاومة للمشروع الأمريكي الصهيوني وما تمثله استراتيجياً على الصعيد الإقليمي المعادل الموضوعي للخسارة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة على صعيد الاصطفاف السياسي، وهذا ما يشعر أتباع أمريكا وحلفائها بالقدرة على التعويض والقدرة على ضبط الإيقاع السياسي في المنطقة ولمصلحتها، وهذا مايفسر حجم الاستهداف لسورية الوطن والموقف من خلال توظيف الأحداث الأخيرة التي شهدتها، وحجم الدور الخارجي فيها، والذي قد لا يظهر بصورة مباشرة لسبب بسيط يتمثل في ردة الفعل الشعبية الرافضة للمس بالوحدة الوطنية ولمشروع الفتنة الذي حاول البعض إكساءه رداء آخر وهو ما عبر عنه السيد الرئيس بشار الأسد بقوله: هناك خلط بين الفتنة والإصلاح والحاجات اليومية مبيناً: (إن الإصلاح والحاجات اليومية هي من وظائف الدولة، أما وأد الفتنة فهو واجب وطني وأخلاقي وشرعي) وهنا يصبح دور الدولة والمواطن متكاملاً في مواجهة ذلك المشروع الفتنوي الخبيث والمكشوف .
khalaf.almuftah@gmail.com