أشارت الأرقام إلى أن ( 89 ) بالمئة من هؤلاء العمال هم خارج مظلة التأمينات الاجتماعية , وفيما لو صح هذا الرقم الذي جرى تداوله بكثافة في المنابر الإعلامية , فذلك يعني وببساطة أمرين أساسيين أولهما : قصور الوعي التأميني لدى شرائح واسعة من العمال والجهل بالتداعيات والمخاطر التي قد تلحق بهم خلال سنوات العمل وبعد الإحالة على التقاعد ..وثانيهما : تجاهل وزارة العمل ومؤسسة التأمينات وغرف التجارة والصناعة والنقابات العمالية لقضية كانت وما زالت على رأس قائمة الأولويات في قوانين العمل المحلية والعربية والدولية.
قد يسأل البعض ..ولكن لماذا يصمت العمال عن حقوقهم ولا يبادرون في طرح قضيتهم وبجدية على النقابات العمالية وعلى المرجعيات الرسمية والمنابر الإعلامية؟
قد تختلف المواقف والآراء حول الأسباب التي أدت إلى تزايد أعداد العمال الذين هم خارج صفوف المسجلين في قيود التأمينات الاجتماعية , غير أن الأمر الذي يشكل قاسما مشتركا بين الجميع يتمثل في حقيقة مفادها ,أن السبب الجوهري الذي يمنع العمال من التمسك بهذا الحق والمطالبة به , يعود إلى ندرة فرص العمل في القطاعين العام والخاص , فأرباب العمل من أصحاب الشركات والمؤسسات ولأنهم على دراية بهذا الجانب يفرضون على طالبي العمل رزمة لا حصر لها من الاشتراطات الظالمة والقاسية , وهي اقرب ما تكون إلى أساليب الابتزاز شبه المعلنة , والاشتراطات التي نتحدث عنها تبدأ بضرورة التقيد بساعات عمل طويلة قد تزيد على ( 10 ) ساعات يوميا ولا تنتهي عند حدود التعهد في عدم التقدم بطلبات تضمن لهم الانضمام إلى طوابير المسجلين في التأمينات , ولأن بعض العمال كان يخرق هذه الاشتراطات ويضرب بها عرض الحائط, فقد بادرت شريحة واسعة من أصحاب المعامل والمنشات الصناعية إلى إلزام العمال بتقديم الاستقالات المكتوبة والموقعة من قبلهم سلفا قبل البدء في مزاولة العمل, بحيث تتاح فرصة طردهم في حال المطالبة بأية حقوق أقرها قانون العمل .
التفاصيل التي أتينا على ذكرها ليست جديدة , وسبق أن جاهر البعض في تناولها ومناقشتها في أكثر من مناسبة وخاصة قي المؤتمرات العمالية الدورية وأيضا في اجتماعات متلاحقة لوزارة العمل.., وإذا كان هناك من ينادي اليوم بضرورة الوقوف على هذه القضية ومعالجتها من جوانبها المختلفة , فان ما هو مطلوب ليس إعادة إنتاج المشكلة من خلال الدراسات والندوات والمؤتمرات وتضمينها بتوصيات متخمة بلغة الوعظ الأخلاقي والإنساني, وإنما لا بد من اتخاذ إجراءات وتدابير فورية قابلة للتطبيق والترجمة مباشرة, وهذا الأمر أكثر من متاح ما دام أن هذه الحقوق لا تندرج في إطار إلزام أرباب العمل على تسديد ( صدقة ) أو ( إكرامية ) من جيوبهم , وإنما تشكل ترجمة واضحة وصريحة لقوانين العمل السورية والدولية المعمول بها منذ ستينات القرن الماضي.
marwandj@hotmail.com