وحين جاع الأعراب كانت لهم الملاذ، أطعمتهم، أنقذت حيواتهم ، وحين عطشوا كانت فراتاً عذباً.
وفي شدة القيظ فاءت الغوطة والربوة ورياض دمشق عليهم...
وحين نكبت أوطانهم بلسمت جراحهم ... العراة الذين أتوها لائذين ..اكتسوا حريراً ، وتناولوا عسلاً وشربوا أعذب ماء ...
والآخر المستعمر الذي جاءها باسم الإنسانية كمايدعي كانت نيرانه ومدافعه الرسالة الأولى ...وكانت دمشق الحضارة تقاوم وتبلسم الجراح، ولاتنسى أن العرب أيضاً يعانون مرارة الاستعمار وكان العون السوري ... دمشق ملهمة المبدعين لم تنكسر ،لم تهادن ، لم تعرف اليأس ...ألهمت المبدعين شعراء , كتاباً , فنانين ... ألمها أقض مضاجعهم ، كتبوا ،تغنوا ،رسموا لوحة رائعة لمدينة غفا التاريخ على أبوابها..
دمشق والجراح صنوان لكنها تبلسمها تحيلها ورداً للأصدقاء للأحباء وناراً لمن يرميها بسهامها..
في محطات التاريخ عانت دمشق مرارة الغزاة، ارتكبوا أفظع الجرائم ولكنهم ذهبوا ، بقيت دمشق شامخة كقاسيون صامدة، بقي بردى نبض الحياة، بقيت الغوطة تضيء على أبنائها.
دمشق أنت السر والكُنه الذي لايعرفه أحد من غير عشاقك ... أنت شامة الدنيا على الأرض ،وعدك فعل، وفعلك عطاء لاينضب أبداً ...
هل نعدد مامر بك من محن وآلام..؟!
لندع ذلك لأن ريشة الإبداع رصدت ذلك ومانقدمه إلا نزراً يسيراً منه...
غداً ..التاسع والعشرون من أيار ... وماأفظع الذي حدث في هذا اليوم ومن قبل الحريقة ومن قبل ميسلون وإعدام أبطال السادس من أيار ...وما في القائمة لاينتهي...
واليوم ليس بعيداً عما جرى في الماضي ...الجراح اليوم بيد الأعراب الذين جاعوا وأطعمتهم ،وعروا وسترت عريهم...
تخاذلوا وكرمتهم.. اليوم جراحنا لا ضفاف لها... وقلب دمشق أكبر من كل الأحقاد ، أنقى وأسمى لأنه نسمة من بردى ،من الغوطة، من الأموي ، من عبق الحضارة والتاريخ... دمشق ليست ذبيحة ولن تكون كذلك...
تتألم نعم من جراح وغدر الأعراب نعم، لكنها العنقاء...إنها شامة الله على الأرض وستبقى شامتها مادامت الأرض أرضاً ...