وهي بصورة ما تشكل اتفاقات ضمنية بين أفراد هذا الشعب أو المجتمع تتضمن أفكاراً ومواقف وعواطف شتى, منها ما يتكون أو يتشكل تجاه المستجدات والآخرين وثوابتهم المقابلة.
وفي ضميرنا السوري العام ثمة ثوابت مثيلة مكتسبة ومتوارثة, منها مثلاً أن الأغلبية الساحقة من السوريين, إن لم يكن كلهم المطلق, يؤمنون إيماناً راسخاً وبطرائق شتى تجريبية أو معرفية أو ثقافية أو دينية أو غيرها.. أن إسرائيل هي عدو تاريخي لهم. وعلى هذه الشاكلة من الثوابت تشكلت أيضا وطيلة عقود الصراع العربي الإسرائيلي ثوابت مشابهة, كأن يضمر السوريون أن أميركا الدولة والسياسة هي عدو أيضاً بفعل انحيازها الثابت لإسرائيل أو لسبب آخر, وأن الغرب بعامته وبدرجات متفاوتة نسبياً هو عدو كذلك للسبب ذاته أو لغيره من الأسباب.
وخلال عقود الصراع ذاتها تشكلت ثوابت شبيهة بهذه, كالقول إن الاتحاد السوفييتي ومن خلال مواقفه السياسية من قضايانا كان صديقاً, وقد ورثت روسيا بوصفها الوريث الشرعي الأول له ما كان للاتحاد السوفييتي من صداقات بعد تفككه.. رغم أن البعض القليل ولأسباب أيديولوجية عمياء لا يزال يرى في روسيا العدو الذي كان يراه في الاتحاد السوفييتي.. رغم أنه لا الوارث ولا المورث كان في أي وقت من الأوقات دولة استعمارية عدوانية كما هو الغرب في الأمس واليوم.
وفق هذه الخلفية الذهنية والمعرفية والعاطفية المسبقة التشكل والتمثل, ووفق عقل سياسي يأخذ بالثوابت المنزرعة في ضميره ووجدانه العام, يبدو بديهياً وصحياً أن تواصل ميول السوريين الانسياب إلى الشرق عامة وإلى روسيا خاصة.. ليس سياسياً فحسب, بل ثقافياً واقتصادياً وحتى سياحياً, والمسألة هنا أعمق من أن تقتصر على المصالح المتبادلة أو استقطاب طرف لآخر استقطاباً حضارياً.. إذ لماذا أظل أسيراً لحضارة أو ثقافة مهما كانت مغرية ومهما كنت تواقاً إليها إذا كانت لا تلبث أن تنقلب علي كل بضعة عقود فتعيدني إما ذليلاً وإما محطماً؟
التوجه إلى الشرق ليس بدلاً عن ضائع, بل هو استعادة لذات ضائعة وإنعاش لضمير مات عقله سريرياً منذ زمن وبات عليه أن ينهض, قبل أن يلتحق القلب بالعقل فلا يبقى جسد أو روح ولا من يحزنون.. التوجه إلى الشرق ليس نكاية بذئب تزيّا بزي الحمل الصديق ثم لم يلبث أن أرسل أنيابه والمخالب في لحمنا, فلطالما عرفنا الذئب وتألمنا بين مخالبه, بل هو تصويب لخطأ كاد أن يكون قاتلاً, وتصحيح لرؤية واصلت الاهتزاز مئة عام وأكثر وبات عليها اليوم أن تستقر.
أن نعود.. وما يزال في النهار بقية من ضوء خير من أن نذهب في ظلمة الوهم طويلاً, وما بال الشرق ونحن منه.. ألا تسطع الشمس من كبده أولاً ؟؟