فمن الارتباك السياسي الذي تضاربت فيه المواقف الأميركية منذ الأيام الأولى للثورة المصرية بين الوقوف مع نظام مبارك وبين الوقوف مع ثورة الشعب عليه, وصولا إلى الإعلان الواضح والصريح الذي أطلقه المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية حال تسلمه إدارة البلاد بعيد تنحي مبارك, بالتزام مصر كافة المعاهدات والاتفاقات الدولية والإقليمية - وبينها بالطبع اتفاقيات كامب ديفيد - استدارت المواقف الأميركية دورة كاملة , وبدت السياسة الأميركية كما لو أنها استراحت بعد عناء , أو كما لو أنها انتصرت في تحقيق ما يعنيها من ثورة مصر ومن نظاميها المخلوع والجديد .
وبطبيعة الأمر , كان الحال الأميركي هو ذاته الحال الإسرائيلي مضافا إليه ما تناقلته الأنباء في الأيام الأولى للثورة من أن إسرائيل قدمت لنظام مبارك سراً شحنات كبيرة من المعدات والذخائر الخاصة بمواجهة المظاهرات وقمعها .
الآن , وقد حصلت أميركا وإسرائيل على ما يريحهما ولو مبدئيا , فقد انتقل السعي السياسي الأميركي الإسرائيلي إلى مرحلة جديدة , عنوانها تكريس الالتزام المصري الجديد والمعلن وتحويله إلى حقيقة ثابتة وتاريخية فوق أي متغيرات وتبدلات , وذلك عن طريق ركوب موجة التغيير في مصر أولا , ثم الإمساك بخيوط تحريكها أو دفة توجيهها من خلال الإعلان الرسمي عن تقدمات وهدايا أميركية مشفوعة بالدعم السياسي إلى العديد من الأحزاب والتيارات السياسية المصرية المعارضة, والتي يتوقع منها حضورا سياسيا فاعلا في مصر في المرحلة القادمة وفي صياغات قرارها السياسي القادم , وذلك عن طريق إعادة توزيع المساعدات الخارجية الأميركية المعتادة لمصر لمجموعة هذه الأحزاب والتيارات , خاصة مع انقطاع التهديد الأميركي بقطع هذه المساعدات فجأة, والذي تصاعد خلال الأيام الأولى للثورة .
على هذا تكون الأصابع الأميركية الممدودة في الجسد المصري باقية , ولكن , هذه المرة ليس في عضو واحد منه بل في جميع أعضائه .