حين عمدت العولمة إلى توحيد العالم, برزت تناقضات حادة, فبدأ كل شعب يبحث عن هويته وخصوصياته, ويتشبث بها, فهو لايريد أن يكون نسخة عن غيره! لم يجد العرب التوّاقون إلى تعزيز الحاجات الروحية- رداً على القلق الوجودي- إلا الانتماء الديني وحده جواباً للرد على العولمة.
ولأن غياب أو تغييب الشكل العلماني, وغياب أو تغييب الوجود المنظم الواعي للطبقة العاملة يمنح البيئة الخصبة لنشوء بديل برداء ديني- وفقاً للعراقي فالح عبد الجبار- تغلّب إرثنا العمودي مرة أخرى على نظيره الأفقي.
منذ بدايات الستينيات عمد بعض أقطاب المؤسسة الدينية إلى صياغة طروحات اقتصادية وفلسفية وسياسية إسلامية كبديل للشيوعية والرأسمالية, تَعِد طبقة المنتجين الصغار بحلّ إسلامي أصيل غير مستورد- فالح عبد الجبار ثانية- (يمكن أن نضيف أن حركات مناهضة الاستعمار في عدد من دول الوطن العربي جاءت على يد حركات دينية بدافع محاربة الكفار).
سنخلص إلى أن هناك أسباباً منطقية دعت إلى تفوق إرثنا العمودي, ربما كان من أهمها ظاهرة ترييف المدن- مثل هذه الهجرة تنقل تأثير الريف إلى المدينة وليس العكس- وحين وقعت طبقة المنتجين الصغار في أزمة حادة نتيجة سياسات اقتصادية اغتالت لقمة عيشها, ولأننا لم نكن جديين في إقامة بديل علماني, ولأننا لم نخلق لهم مساحات للعمل الحزبي والسياسي المنظم التعددي, وجد كثير من أبناء هذه الطبقة أن الإسلام – المؤول سلفياً- هو الشكل الوحيد المتاح للمقاومة الاجتماعية.
اليوم نحن بحاجة إلى حلول حقيقية عبر ديمقراطية حقيقية وحداثة حقيقية, وعبر إعادة النظر في مفهوم الهوية لتكون المواطنة الحقة هي اختزال لكل الهويات الأخرى.. عندها قد ننجح في الانتصار للإرث الأفقي الذي يعيدنا إلى زمننا وعصرنا.
suzan_ib@yahoo.com