بفعل طغيان حالة العدوان والعربدة الصهيونية واستباحتها المتواصلة لمناطق الضفة الغربية وقطاع غزة, وتحويل مدنها وقراها ومخيماتها إلى سجون ومعتقلات كبيرة وخرائب وساحات للموت والقتل المتنقل, أحد أكبر العناوين والاستحقاقات الخطيرة لسياسة الفشل والعجز الدولي المزمن عن التصدي لظاهرة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الجاثم على أرض فلسطين والمستقوي بالدعم الأميركي وتغطيته.
فمعاودة احتلال مدينة طولكرم واقتحام أحيائها وبيوتها وفرض الإغلاق التام على الأراضي الفلسطينية, وإطلاق حملات عسكرية جديدة ومفتوحة لتعقب كوادر المقاومة وتصفيتها, دشنها الطيران الحربي بما يزيد عن ست غاراتٍ على غزة والضفة أودت بحياة ثمانية شهداء, مرفقة بحملات اعتقال هيستيرية في صفوف الشعب الفلسطيني, وتكثيف لعمليات الاستيطان وبناء( الجدار العنصري) ليستكمل إحكام الطوق والعزل والتشظية للمناطق الفلسطينية, تعويضاً عن الانسحاب المزمع من قطاع غزة وقطفاً لثماره والتفافاً على عمليته, هي بمثابة إعلان حرب وإجراءات أعادت الأمور إلى البدايات ونقطة الصفر ودائرة النار, وشكلت نسفاً للتهدئة ولكل ماتم التوصل إليه من اتفاقات وتفاهمات لم تكن هي ولاغيرها, موضع احترام والتزام لامن جانب إسرائيل ولامن قبل الطرف الأميركي الراعي, واتضح عملياتياً أنها مجرد أفخاخ وألغام وصفقات آنية وليست بتبادلية أملتها ظروف معينة, ومصيرها وقابليتها للحياة أو للتمزيق رهن بالحليفين الاستراتيجيين حصراً, وباندفاعة أو تباطؤ مخططاتهما ومشروعاتهما التي ما انفكت تواجه التعثر في العراق وفلسطين.
لقد قدم التردي الكبير والخطير للوضع الأمني في الضفة والقطاع, واندفاعة حكومة شارون في حماقاتها العسكرية وارتكابها الفظائع والجرائم والذبح المنظم بحق أبناء الأرض المحتلة, الدليل مرة أخرى على استحالة السلام وأن يكون لخياره مكان في تفكير وعقيدة حكام تل أبيب, أو حتى في اهتمام واستراتيجية حلفائهم في واشنطن, وأظهرت التطورات الأخيرة مجدداً عقم الرهانات على الولايات المتحدة , في أن تكون وسيطاً مقبولاً في العملية السياسية وصاحبة دور فاعل ومنصف, يمكن أن يوقف النزف الحاصل ويوفر للمنطقة الأمن والاستقرار ويؤسس لقيام الدولة الفلسطينية الموعودة.
وهذا مايسقط في أيدي المجتمع الدولي ويضع مؤسساته المختلفة وبخاصة مجلس الأمن بقوة أمام المسؤولية التاريخية والأخلاقية والقانونية, ويحتِّم ضرورة المسارعة لاحتواء الموقف المتفجر قبل أن تندفع الأمور أكثر نحو نقطة اللاعودة وفي اتجاهات يصعب السيطرة عليها, وذلك عبر ممارسة الضغط كل الضغط على الطرف الإسرائيلي وإلزامه بوقف المذبحة والتقيد بقرارات الشرعية الدولية, والتوقف عن بناء الجدار وتهويد القدس وعن كل مايؤجج العنف والتوتر ويزعزع الأمن والاستقرار, بمعزل عن الولايات المتحدة ومواقفها وسياساتها الخاطئة الملتصقة بالمشروع الصهيوني.
وليس من باب التجني القول: إن الولايات المتحدة بإدارتها الحالية, وانتقالها إلى موقع الهجوم في هذه المنطقة والمجابهة والصدام على الضفة الأخرى من العالم, بذرائع مختلفة وبعقيدة تتكامل والاستراتيجية الإسرائيلية, قد فقدت ماتبقى لها من مصداقية وأضحت مكانتها وسمعتها بلارصيد سياسي وأخلاقي وحتى قانوني, بالمقدور الركون إليه والوثوق به وتوظيفه في خدمة السلام الذي نرفض لحمامات الدم وحروب إسرائيل أن تمليه, ونتمسك بأن يكون عادلاً وشاملاً وضامناً لعودة الأرض والحق, ولانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة, وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.