فالبنى النفسية العربية والمزاج العربي العام متشابه إلى حد بعيد, ولعله من غير الموضوعي الاعتقاد بعكس ذلك فالمنطقة العربية ومنذ أكثر من خمسة عقود تعيش حالة انكسارات متلاحقة, سواء على الصعيد القومي أم على صعيد الدولة الوطنية لأكثر من قطر عربي, وترافق ذلك كله مع تناقضات داخلية ذات طابع اقتصادي واجتماعي وسياسي سواء على صعيد الحياة الديمقراطية أم المستوى المعيشي مقترناً مع تمايز حاد في البنية الطبقية لمصلحة القوى المتنفذة والمتحالفة سياسياً ومصلحياً مع المركز الامبريالي الذي مافتئ يمعن نهباً واستلاباً لها .
أمام تلك المأساة العربية التي حاول البعض تصويرها على أنها قدر لا فكاك منه إلى درجة أن ثمة من أصيب بهزيمة نفسية، سعت الكثير من القوى ومراكز القرار في أكثر من مكان وضمن استراتيجيات محكمة تحويلها إلى ظاهرة عربية، جاءت الانتفاضتتان التونسية والمصرية لتعيدا الاعتبار إلى هذه الأمة وتثبتا للعالم أجمع أن الحرية والكرامة الوطنية ورفض الظلم والاستبداد والاستعباد هي قيم متجذرة في بنية وطبيعة أبنائها، وإن ما مر من هزائم وخيبات هو طارئ واستثنائي وأن ملحمة عربية قد بدأت تنسج خيوطها الأولى .
إن الحدث التونسي المصري أشبه ما يكون بزلزال سياسي سيكون له ارتداداته الإيجابية على منطقتنا ودول العالم خاصة تلك التي أمعنت في زرع وكلاء وحراس لها في أكثر من قطر عربي عاثوا فساداً ونهباً بثرواتها واستمرؤوا الخيانة وعبثوا بمقدراتها فهاهم أولاء تزدريهم شعوبهم وترميهم في مزابل التاريخ ويخذلهم أسيادهم الذين وجدوهم نفايات سياسية تبحث عن صحراء تدفن فيها .
إن الدرس الأول الذي يجب أن يتعلمه جميع الطغاة والعملاء من الحكام أنهم كالأرقام القياسية لا بد أن تتحطم ذات يوم، وأن إرادة الشعوب من إرادة الخالق تمهل ولا تهمل، وإذا كان للباطل جولة فللحق جولات، أما الدرس الثاني فمؤداه أن أي سلطة كانت كالحق تماماً تستمد قوتها من ذاتها وليس من الآخر كما هو شأن الباطل، بدليل أن الحكام الذين استقووا على شعوبهم بعمالتهم وارتباطهم بقوى خارجية لم ينفعهم ذلك في شيء بل كان عاملاً إضافياً في رفضهم والسخط والثورة عليهم واقتلاعهم، والدرس الثالث وهو على درجة من الأهمية يتمثل في أن الزمن في الأزمات أشبه ما يكون بالسيف إن لم تقطعه قطعك، فما قد ترفضه اليوم ستتوسل لقبوله غدا،ً فحركة الشارع كحركة السياسي لا تقبل الوقوف في منتصف الطريق.
khalaf.7@gmail.com
تعليقات الزوار |
|
المهندس / محمد المفتاح - الرقة ومقيم في الرياض |  almoftah_2005@hotmail.com | 13/02/2011 23:53 |
الأستاذ / خلف المفتاح ، تحية وبعد :
مصر وتونس الدروس المستفادة ، وبهذا أقول :
1 - إن الحاكم الذي يجعل من نفسه (رئيس النظام الحاكم) ويبتعد عن الجماهير وعن كونه قائداُ شعبياً ، سيلقى المصير نفسه الذي وصل إليه الرئيس السابق حسني مبارك ومن قبله زين العابدين بن علي ؛
2 - إن الحاكم الذي يتعامل مع هموم شعبه من خلال ما ينقله إليه مستشاروه ، ويقيم في برج عاجي ، سيلقى المصير نفسه الذي لقيه الرئيسان المصري والتونسي ؛
3 - إن الحاكم من مثل الرئيس مبارك الذي يجعل من المساعدات الأمريكية أو الخارجية بنداُ في موازنة حكومته ، حكماُ سيكون قد وضع نفسه رهينة في يد الخارج ، والخارج سيلفظه عندما يصبح مستهلكاُ ! |
|
شاب مصرى |  huju@yahoo.com | 14/02/2011 12:55 |
الدروس المستفادة يا استاذ خلف فى راى المتواضع هى :
1 - لا عاصم لأى حاكم ظالم من محاكمة شعبه له و من نفس النهاية المأساوية لزين العابدين ومبارك .
2 - أن استقواء الحاكم يكون بحب شعبه له والتفافه حوله وهذا الحب ياتى بعدله مع شعبه واحترام عقول بنى وطنه |
|
أبو يعرب |  yanam@yahoo.com | 15/02/2011 10:17 |
شكرا جزيلا على هذا المقال أستاذي
الدرس الأول والاخير يا سيدي خلف
هو الحرية
أما توزيع الثروة والعلاقات الخارجية وخلافه فهذا يأتي تباعا، وكل بلد حسب دخله وموارده الطبيعية والبشرية وظروف وعوامل أخرى.
كل الحكومات التي لا تمنح الحرية للشعب ستدور دوائرها وتقيم في شرم الشيخ أو غيرها. :)
الحرية في الكتابة
الحرية في التصويت
الحرية في الاستثمار دون مشاركات بالإكراه
الحرية في كل شي
الحرية التي لو فقدت تجعل المفتاح قفلا صدئا
يقفل الباب أمام الحريات ويمكيج عجوز الانظمة البائسة، بدعوى وحدة الوطن وبقية جوقة الكلمات المهترئة
شكرا لك على هذا المقال الجميل
|
|
أبو نزار  |  abunizar1959@gmail.com | 19/02/2011 16:41 |
الأستاذ خلف
بداية الشكر الجزيل على هذا التحليل، إني لأعجب أي عجب لهؤلاء الطغاة من أمثال مبارك الذين يرضون لأنفسهم أن يكون دمىً للأجنبي ويخدمونه حتى في لحظة الحشرجة السياسية وهم يحتضرون. مبارك الطاغية شهدناه يستهين بدم شعبه كما استهان بدم الفلسطينيين قبل عامين حين أوصد المعابر إرضاءً لسادته الصهاينة. انظر الآن لحالته النفسية وهو ملقىً في مذبلة شرم الشيخ ولسان حال سيده الأمريكي يقول له كما يقول إبليس لاتباعه يوم الحساب إني برئ منكم. أشد ما أغاظني في فرعون مصر الجديد أنه كان يقف أمام وزرائه الجدد ليؤدوا له قسم الولاء الجديد في الوقت الذي لم يجف فيه دماء شهداء ميدان التحرير. والحمد لله الذي نزع منه السلطة مثلما نزع عنه ثوب الحياء والكرامة. شكراً. |
|
|