تتناثر غربا وشرقا دون أن تترك أحدا بمنأى عنها.
فالكل يدرك أن المعالجات ليست أكثر من مسكنات مؤقتة, والمفاضلة تقوم بين مسكن وآخر ليس إلا, أما الجوهر فما زال يطرح واقعا سوداويا لمستقبل لا يقل قتامة, فيما المسؤولية عما جرى رغم بعض الأصوات بالكاد تتجرأ على البوح بما تدرك, وإن تجرأت في بعض الحالات ثمة من لا يريد لها أن تسمع, وخصوصا ما يتعلق بالهيمنة الأميركية التي أفلتت من عقالها, وبدأت تتصرف على أنها الآمر الكوني, وأي انتقاد هو خروج على الطاعة ينذر بعواقب وخيمة, فيما بدت التحذيرات التي أطلقها البعض منذ أشهر, وبعضها منذ سنوات دون جدوى, أو كانت خارج السياق .
فرفاهية أميركية لعقود على حساب شعوب العالم وأمواله كانت وما زالت الرصيد الذي لا تريد الولايات المتحدة الأميركية حتى اللحظة النقاش حوله أو إجراء أي مقاربة بشأنه مثله في ذلك مثل الكثير من المزايا التي لا تريد تحت أي طائل الاقتراب منها, أو وضعها تحت دائرة الضوء في سلسلة الخيارات المتاحة لتجاوز السقوط المتسارع للأفكار والنظريات التي كانت حتى الأمس القريب العمود الفقري في أي تنظير اقتصادي على أي مستوى كان, وتحولت أستذة الكثيرين من أتباعه إلى مجرد هرطقة سياسية واقتصادية لا معنى لها.
وحتى في المناشدات الأميركية التي وصلت حد الاستجداء للمساعدة في التصدي للازمة المالية لم يكن الخطاب الأميركي عموما مستعدا للخوض في أي نقاش حول تلك المزايا أو إمكانية التقليل منها, بل تركها على الهامش تحت يافطة الإطلاق المبكر لمبادرات الآخرين التي اصطدم معظمها بسيل من التداعيات المتسارعة التي لم تكن محسوبة, فيما المراهنة على المسكنات كانت تزيد من حجم الأوجاع, وبدت الكثير من الخيارات المحتملة تميل نحو الإبقاء فعليا على هرم الامتيازات التي تحول دون المساس بخطوط وتقاطعات الرفاهية الأميركية مهما تكن النتائج.
وعلى هذا الأساس كانت ومازالت الأفكار الأميركية المطروحة تتحدث عن خطط خارج إطار المس بتلك الرفاهية للمواطن الأميركي, بل ثمة إصرار على الاحتفاظ بها, ولو أدى الأمر إلى اقتلاع كلي لكل أسس ومرتكزات الوضع الاقتصادي العالمي, حيث الأنانية الأميركية حتى اللحظة لم تتح لصاحب القرار السياسي والاقتصادي الأميركي أن يفكر أبعد من الحدود التي تبقي على الوضع المتمايز عن سائر شعوب العالم, ولم تدفع به حتى اللحظة للتخلي عن خيارات التمسك بمقولة التفوق, ولو أن الأمر الواقع لا يكتفي بتهديد واضح لذلك التمايز, بل يهدد أيضا الموقع الاقتصادي الأميركي ككل على المستوى العالمي ليصبح التأثير الأميركي موضع تساؤل وربما شكوك أيضا.
أمام هذه الخطوط والمحظورات على العالم ان يستمر في دفع فاتورة القبول بمزايا العصر الأميركي , وعلى العالم أيضا أن يتحمل نزق السياسة الأميركية, وهفوات وأخطاء منظريها وسياسييها, ومغالطات مريدي النموذج الأميركي, في وقت يبدو من الصعب تدارك ما قد يجره مثل هذا الانجرار في القبول بتلك الخطوط, أو التسليم بالمحظورات الأميركية والتي يفترض أن تكون أول ضحايا الأزمة القائمة, وفي مقدمة تداعياتها.