فإن السؤال الكبير الذي يدور على ألسنة الأغلبية الواسعة في العالم وأميركا نفسها هو من الذي بات بأمس الحاجة الى التغيير :العالم الذي اكتوى بنار السياسة الأميركية الخاطئة المنحرفة المتطرفة والمغالية بطروحاتها العمياء أم اميركا نفسها التي يقول 73% من سكانها بأنها تسير في الاتجاه الخاطئ ويعترف الكثير من سياسييها أمثال مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية السابقة بأن بلادها فقدت مكانتها الاخلاقية, وتدل تطورات الاحداث على أن سياسة بوش ادخلتها في سلسلة أزمات وضعتها على حافة الانهيار الكامل كان من أخطرها أزمة حروبها الفاشلة في العراق وأفغانستان وأزمة تدخلها الفج في لبنان وفلسطين والسودان وأزمتها مع كوريا الديمقراطية وايران فأزمتها الحادة مع موسكو بسبب الازمة الجورجية, لتصل أخيراً الى الأزمة المالية وهي الأصعب والأشد وطأة , كنتيجة طبيعية لسياسة لم تقف على قرار صائب وحيد طوال ثماني سنوات متتالية..?
المنطق الواقعي المبني على نتائج سياسة بوش وفريقه المحافظ يقول إن التغيير الذي سعت اليه إدارة بوش على المستوى العالمي فشل وارتد سلباً على أميركا وقوتها وهيبتها ومكانتها الاخلاقية وعلاقاتها الدولية , مايجعل التغيير المطلوب تغييرا جذريا يحدث داخل اميركا ويطول جوهر سياستها وتوجهاتها وطرق تعاملها مع العالم وقضاياه الأساسية وعلاقاتها بدوله على اختلاف كبرها وصغرها وأوزانها وأدوارها ومواقعها الجيو سياسية.
لقد توهمت إدارة بوش بأنها قادرة على حل مشكلات العالم بمفردها وعلى طريقتها الخاصة بالقوة والحروب والضغوط وإثارة الفوضى والتدخل والإملاء والاستعلاء والهيمنة, وتوهمت أيضاً بأنها تستطيع استناداً الى قوتها الهائلة جعل أميركا امبراطورية العصر التي لاتنهار , لكن كلا الوهمين يسقط في زمن سريع لتتأكد حقائق أن الحلم الامبراطوري اصبح من الماضي, وأن اميركا باعتراف المرشح الديمقراطي باراك أوباما لاتستطيع بمفردها حل مشكلات العالم , وبالتالي فإنها إذا أرادت أن يكون لها دور إيجابي مؤثر وفاعل في العالم فهي تحتاج الى تغيير في صلب نظرتها الى نفسها والعالم وتغيير وسائل وأساليب تعاملها مع العالم, فتكف عن استصغار القوى المؤثرة وتنظر الى نفسها واحدة من هذه القوى لا القوة الوحيدة المؤثرة, وتصرف النظر عن أحلام السيطرة والهيمنة وتتخلى عن نزعة التفوق وتحترم مصالح الآخرين وتجعل الحوار الوسيلة الوحيدة للتفاهم وبناء عالم يسوده العدل والاستقرار والسلام.