حين نخر المال عضد السياسة, وقضمت هي بدورها أطرافه, وهما تبادلا النخر والقضم منذ صك أول عملة نقدية, ومع ظهور أول ايديولوجيا سياسية, عادا وتصالحا وتبادلا الدور والمهمة والوظيفة, وعملا نخراً وقضماً بما جاورهما أو ابتعد عنهما من الآخرين من الدول والمجتمعات والحضارات, لكنهما ظلا وفيين لولاءاتهما القومية أو الوطنية .
حدث ذلك دائما, خاصة في القرن العشرين, حين زادت وفرة المال وتعددت مناهج السياسة, فبهذا تحررت بريطانيا وفرنسا وغيرهما من ربقة النازية, وبتلك تحرر الاتحاد السوفييتي وطيفه المجاور من الربقة ذاتها, وبهما اغتنت اميركا وسيطرت وامتدت, مرة بمال )مارشال ) ومرة بحاملات القوة والسياسة في أعالي البحار, بهما نبتت وترعرعت النبتة السامة في الحقل العربي, سواء بسواء مال روتشيلد وسياسة بلفور, وبالمال والسياسة صنعوا تاريخاً من ورق وهدموا معابد تاريخنا, صنعوا جيوشاً تحتل وتجمع وتزيد المال مالا, وإعلاماً يعمينا ويفتح عيونهم, بهما فعل جورج بوش كل مافعل بعدما تراكم المال من حقبة ديمقراطية البنوك والمصارف في عهدي بيل كلينتون, ومثل هذا وذاك أمثلة وأمثلة .
سافر مالهم في كل صوب واتجاه, خيرا أو شرا, لكنه عاد إليهم بالقوة والسيطرة والمنعة والهيمنة, فإلى أين سافر المال العربي وبماذا عاد, وهو لم يعد بعد ولا أظنه يعود, رغم أنه أكثر وأوفر, ورغم حاجتنا الألح إليه ??
سافر المال العربي ليصنع القبائل والعشائر داخل حدودنا, وبين ظهرانينا يغرس الخناجر والمدى المثلمة, ليصنع ميليشيات وفصائل وجماعات ردة وجحور مظلمة, راياتها الفتح والجند والسلف, ورماحها في نحورنا وصدورنا نحن ولا رصاصة على عدو حقيقي أو مغتصب, ليصنع إعلاما يعمينا ويفتح عيون الآخرين علينا, فستمئة فضائية وستمئة صحيفة تدس السم في صحوننا والعته في عقولنا, سافر ليبتاع سيوفاً للرقص لا للدفاع, وليرسل المفخخات والعصابات الى عقر دارنا .
ثمة مال كثير .. فماذا نفعل به ??