إذا كان للوساطة الفرنسية من أهداف تتراوح بين حدي منع الاشتباك، والعودة للتفاوض، بمعنى مُحاولة منع وقوع الحرب، والسعي لترتيب مائدة تَفاوضية تُعيد إنتاج اتفاق نووي آخر، فإن نجاحها من عدمه يبدو أنه لا يتعلق فقط بالإرادات الدولية، بمقدار ما يتصل بدونالد ترامب الذي يَطمح لولاية رئاسية ثانية يَستخدم في الطريق إليها «النووي الإيراني» ورقة انتخابية، يَتلاعب بها فريق المُتهورين المُنتشرين على امتداد خط نتنياهو - بولتون.
الذي طُرحَ فوراً بالتوازي مع طَرح الوساطة الفرنسية، هو السؤال عن حظوظها بالنجاح، انطلاقاً من الوقوف على واقعية ما تَطرح، المُقاربات التي تَنطوي عليها، المَضامين المُعدّة، والأطراف المُشاركة، غير أن السؤال المطروح أيضاً والأكثر أهمية هو: ما الضمانات التي تَكفل التنفيذ والالتزام وعدم انقلاب الطرف الأميركي على الناتج، بحال النجاح بإنتاج اتفاق جديد، ذلك على نحو ما حصل مع أوباما - ترامب؟.
تَلَقُّفُ ترامب المُبادرة، والقفزُ بها مُباشرة إلى التعبير عن الرغبة بعقد لقاء ثنائي يَجمعه مع الرئيس الإيراني، هو أمرٌ غير عَقلاني، لا يَدل على الجدية، وفيه من التسرع والخفة ما قد يَدفع للسخرية من الجانب الأميركي الذي يُدرك ثقل الملف وأهميته، لكنه يُثبت حقيقة أنه لا يريد أن يَفهم مَداخله إلا من الاعتبارات الذاتية التي يَضع فيها ومعها الشروط غير المَقبولة على سطح مُرتفع اعتلاه مراراً، وما عرف سبيلاً للنزول عنه إلا باتفاق «فيينا» الذي انقلب عليه تالياً!.
اللقاءُ الثنائي الذي يريده ترامب لا مَعنى له ولا جدوى حقيقية منه، فقط يَقفز باتجاهه «ترامب المُرشح لا الرئيس» من بوابة أنه «ورقة انتخابية» مُتوهماً أن طهران قد تَمنحه إياها.
اللقاءُ الثنائي الذي يَتوقع ترامب حصوله على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، لن يَقع، بل ربما لن تَقع بالأُفق المَنظور أي لقاءات ثُنائية إيرانية أميركية على أي مُستوى سياسي، ذلك أن الثقة الإيرانية بالأميركي تُساوي العدم وليس الصفر، وذلك أن أيّ تَفاوض لن يكون ثُنائياً وإنما في إطار مجموعة «5 + 1» التي لا يُمكن قبول عودة واشنطن لها إلا بعد رفع كل العقوبات، كلها بلا استثناء. هذا ما تَقوله طهران وتُؤكده ليس رَفعاً للسقوف، وليس تَحسيناً لشروط التفاوض، وإنما انسجام مع التزامها، وانطلاق مما تَنص عليه القوانين، وتَمسك بحقها.
حظوظُ المبادرة الفرنسية بالنجاح، تَكاد لا تُذكر، يُعتقد أنها ستُطوى سريعاً، وستُلاقي الفشل كمصير حتمي لأسباب مُتعددة يأتي في مُقدمتها:
أولاً: إن الجانب الأوروبي الحامل للمُبادرة لم يف بالتزاماته، وما زال تابعاً لواشنطن.
ثانياً: إن الجانب الأميركي لا يبحث في المبادرة الفرنسية عن اتفاق جديد، بمقدار ما يَسعى من خلالها لوضع شروط إخضاع على الجانب الإيراني.
ثالثاً: إقحامُ البرنامج الصاروخي الإيراني، فضلاً عن إقحام دور طهران الإقليمي، وعلاقاتها الدولية، بأي اتفاق جديد هو أمر مَرفوض، رُفضَ سابقاً، ولن يُقبل تحت أي عنوان.
رابعاً: طهران في موقع قوة، آخر ما تَحتاجه صفقة تُعيدها للخلف، وقد وضعت التنازلات خلف الظهر.
خامساً وأخيراً: في واشنطن تيار نَشط فاعل مُمتد يقوده فريق بولتون - نتنياهو، لا يرى مصلحة له إلا بإفشال أي مُبادرة للحل الذي لا يَجده بغير الحرب الشاملة، لكسر إيران، ولتَحطيم مُكونات محور المقاومة، خصوصاً الآن، بتوقيت اكتمال الهزيمة الصهيوأميركية في سورية ولبنان واليمن والعراق.