وإذ يتكرر الأمر بالنمط ذاته، من الافتراض إلى حدود الوهم، فإنهم يعيدون تشكيل المشهد.. ويكررون التجربة بأخطائها ذاتها، وإن كانت بشكل فج أكثر.
فرغم أن الأمر بديهي، بل مسلم به، فإن التضخيم والتحريف والتفسير الخاطئ للكثير من جزئيات حديث الموفد الدولي كان تدشيناً أولياً لحملة الاستهداف المكثفة لمهمته بعد أن صدر أمر العمليات من واشنطن بإجهاضها وتحريضها المسلحين على عدم تقديم ضمانات مكتوبة لأنان بوقف العنف كان البداية ..!!
وحتى تتشكل حالة الارتياب وفق المسار المطلوب، كان لابد من قصف تمهيدي للمهمة، وسرعان مايتبعها تصويب وفتح للنيران بشكل أوسع في لغة اتهامية مستبقة الحدث وتداعياته .. حتى افتراضاته، لتتجه نحو مماحكات في التفسير لإثارة ماتستطيع من غبار حول الموقف بعد أن فشلت عبر صورتها الافتراضية بتقديم مايلزم للتشويش عليها.
المنطق يقتضي في حده الأدنى انتظار التوصل إلى صياغة البرتروكول الخاص بمهمة بعثة المراقبين، ومن ثم تقييم الموقف على ضوء النصوص الواردة فيه، وصولاً إلى مايمكن تسميته بالموقف النهائي مما تتضمنه المهمة.
لكن .. لأن المنطق مقلوب لديهم، فقد وضعوا العربة أمام الحصان، ثم في مرحلة لاحقة استبعدوه كي تبقى الحالة عائمة وغير واضحة،فالموافقة السورية كانت واضحة، وتتطلب بالمقابل التزاماً يوازي هذه الموافقة حتى يكون بالإمكان البدء بتنفيذ الخطة وفق ماهو وارد فيها من خطوات، فيما استباقها للمطالبة أو للحكم على النيات، لانعتقد أن هناك من يستطيع تبرئته ولو في الحد الأدنى.
الجميع يدرك أن الاصطياد في الماء العكر بدأ منذ زمن طويل.. ولم يتركوا فرصة إلا اقتنصوها وصولاً إلى استغلال كل ماهو متاح وتوظيفه في خدمة أهدافهم التي تتعارض بالأساس مع الحل السياسي للأزمة.
ولاتزال تجربة بعثة المراقبين العرب ماثلة في أذهاننا، بل هي أمام أعيننا.. والمقارنة مشروعة، بل ضرورية لتجاوز ماوقعت فيه من مطبات وعثرات، وكي لايكون مصير تقرير هؤلاء كمصير تقرير أولئك.
المفارقة، أن البعض ممن أسهب في ذلك التفسير، يحاول أن يتذاكى ويقدم تبريرات أقرب إلى الذرائع في الاشتراط الذي تشتم منه النيات المشبوهة والمبيتة، التي باتت جزءاً من الرتم اليومي لثالوث التآمر مباشرة أو عبر أدواته ووكلائه - المعتمدين منهم أو أولئك المتطوعين- في سياق الاستهداف المتدرج.
لذلك، لم تكن الزوبعة المثارة أكثر من مدخل جديد للاصطياد في مياه آسنة وعفنة، لن تكون حصيلتها إلا انعكاسكاً لذلك القاع، وقد بدأت ملامحها الأولية بالتبلور.
ورغم المعابر المتعددة التي تسلكها تلك المحاولات، فإن التعديل في الشكل لم يبدل مافي جوهرها، ورغم التلاعب بالمفردات والألفاظ، فإن الحقيقة ثابتة وواضحة.. ولايمكن أن تخطئها عين إلا تلك التي اعتادت على ليّ عنق الحقيقة وتجاهلها.
تجربة الأشهر الماضية، لم يعد بالإمكان تجاوزها.. ولاتجاهل المفازات التي قطعتها.. والأهم أنها بدأت بالتخلص تدريجياً من أوهام الصورة الافتراضية التي كانت تفترض الحدث وتصنع الموقف وتملي الاستنتاج وتعطي التفسير، وبات كل ذلك من الماضي وهو ما لا يريد ثالوث التآمر التسليم به حتى الآن.
a-k-67@maktoob.com