ومجسداً على صعيد الواقع حيث يستهدف تفكيك المجتمعات العربية وصولاً لإسقاط فكرة الدولة من أساسها بتدمير عقدها الاجتماعي وتحويل تلك المجتمعات إلى كتل بشرية متناحرة متقاتلة عبر ضخ وخطاب طائفي وعرقي وجهوي يستهدف استحضار واستدعاء صور سلبية من التاريخ تحرك وتحرض غرائزية مقيتة على حساب الهوية الجامعة.
إن جرثومة الطائفية والعرقية والجهوية هي أخطر من كل أشكال الاحتلال لجهة أن أي احتلال هو لا شك زائل بفعل المقاومة والمواجهة والرفض الشعبي في حين أن استيطان تلك الأمراض في وعي الناس تجعل منها حالة مزمنة مدمرة تستيقظ في كل حين لأن الطائفيين هم أناس بلا أخلاق ولا قيم خاصة عندما يتسربلون بلبوس الفكر والثقافة بهدف تحقيق مكاسب سياسية آنية وضيقة لجهة الحصول على امتيازات ومكاسب من هذه الجهة أو تلك وهي غالباً جهات ترتبط أو تمثل قوى خارجية لها أهدافها وأجندتها التي تخدم مشاريعها وأطماعها في بلداننا العربية التي أصبحت ومع الأسف مسارح مفتوحة للقوى الخارجية عدونا التاريخي والمتربص بنا على الدوام.
إن أي سلوك وأي خطاب ما تحت وطني يتعارض ويتناقض حتماً مع مفهوم الوطنية ويضعف المجتمع والدولة لأنه يشكل حالة سلبية وهجينة يجعل من حامليه كتلة شاذة منبوذة تغرد خارج السرب وتعيش حالة قطيعة تامة مع المجمل الكلي الوطني بدائرته الواسعة أولاً والتاريخ ثانياً وهو الذي يمنح الشهادة لهذه المجتمعات بالتناغم والتفاعل الذي لم يشهد صراعاً أو نزاعاً على أي حامل داخل الدائرة الوطنية ولعل فكرة التنوع الديني والعرقي والثقافي هي ما يميز تلك المجتمعات ويعطيها ويمنحها تلك الفرادة والتميز، ما شكل سوراً وصخرة صلبة تحطمت عليها كل أشكال الفتن ومحاولات العبث والتخريب والتشظية.
إن محاولات أولئك اللاهثين وراء خطاب التجزئة في المجتمعات العربية خدمة لقوى الاستعمار والصهيونية التي ناصبتنا وتناصبنا العداء التاريخي صدموا وسيصطدمون أكثر بصلابة الهوية والانتماء الوطني التي تعكس طبيعة وحقيقة مجتمعاتنا وكياناتنا التي لم تنخرها كل محاولات التقسيم وخطابات الفتنة ولم تنحز في أصعب الظروف والتحديات إلى أي مكون خارج الدائرة الوطنية وإذا كان ثمة حالات هنا وهناك بفعل التحريض وسفك الدم فإنها لم تكن إلا ردة فعل آنية وعابرة ولا تعكس ثقافة شعبية أو موقفاً عاماً.
ولعله من الطبيعي أن تتحرك بعض أشكال الانتماء والعصبيات في ظروف الصراعات والحروب التي تمر بها الشعوب بهدف استجماع وقود معنوي يشكل رافداً ومغذياً إلى جانب الانتماء الوطني بهدف التحريض على القتال والدفاع عن الوطن ولا سيما إذا كان الخطر كبيراً ويشكل تهديداً وجودياً لتلك الجماعات على تنوع انتماءاتها ولكن ذلك العامل أو العنصر المحرض الإيجابي لا يمكن أن يتحول إلى حالة هوياتية أو اصطفاف دائم عمودي أو أفقي فهو عامل عارض ومحكوم بزمن الأزمة وحيثياتها.
إن جدار الوطنية الصلب والكتلة الوطنية الصلبة والروح الوطنية العالية هي الأسلحة الأقوى التي تمتلكها المجتمعات وهي تواجه أخطاراً وتحديات كبرى ومفاصل تاريخية وقد أثبتت الحرب التي شنت على سورية الأرض والشعب والتاريخ والهوية أن الشعب العربي السوري يمتلك من الحصانة الوطنية والوعي التاريخي والانتماء للأرض والاعتزاز بالهوية ما يجعل الجميع يتحدث عن الزمن والنموذج السوري الذي يشكل علامة فارقة في تاريخ الأمم والشعوب.
khalaf.almuftah@&mail.com