هذه القطاعات حتى في الدول الرأسمالية التي ينشط فيها القطاع الخاص تمثل أوراقاً انتخابية ومجالاً رحباً للتنافس الحزبي والسياسي في استقطاب الجماهير والقواعد الشعبية,وبالتالي هي تحتل مساحة واسعة من اهتمام الدولة والمجتمع.
وعلى الرغم من دخول القطاع الخاص على الخط والسماح له بالاستثمار في هذه القطاعات, إلا أن الدولة أي دولة لا تعلن انسحابها وتبقي لنفسها على دور ما وعلى هامش يتيح لها القدرة على التدخل في لحظة ما لمواجهة أزمة هنا واختناق هناك.
نظرية أو قاعدة تدخل الدولة من النظريات الثابتة التي لم تسقط بعد سواء في مجال الاقتصاد والمال أم في المجالات التنموية والقطاعات الخدمية الاخرى, ومنها قطاع النقل الذي يعد أحد مجالات الاستثمار المضمونة لجهة تحقيق الارباح من دون تعقيدات تذكر اثناء وضع دراسات الجدوى الاقتصادية حيث تكون فيه المغامرة برأس المال في أدنى حدودها ان لم تكن معدومة.
فنقل الركاب والبضائع والسلع براً وبحراً وجواً, داخلياً وخارجياً, هو أحد مفردات الاقتصاد والتجارة وأحد العناصر الاساسية لانسيابية واستمرارية الحياة الاقتصادية المجتمعية, وهو مايجعل منه قطاعاً حيوياً لايجوز للدولة أن تتخلى عنه من منطلقات اقتصادية ومالية واجتماعية.
فالتخلي عن هذا القطاع صحيح انه يوفر للدولة مطارح ضريبية ثابتة وواسعة غير ان استثمارها فيه يوفر لها فرصة ثمينة لمضاعفة عوائد الخزينة.
وتخلي الدولة عن قطاع النقل يفقدها دورها الاجتماعي, وذلك انه من غير الجائز ان تدع المواطن يقف تحت رحمة القطاع الخاص ومزاجيته ومعاييره التي تضع مصلحته أولاً حتى لو شكلت مخالفة صريحة للانظمة والقوانين التي جرى الترخيص له وفقها.
لن نستغرق أكثر في قراءة أهمية استثمار الدولة في النقل واستعادة دورها الجزئي .. وقد تكون الاشارة إلى إعدام شركة الكرنك ومؤسسة النقل الداخلي,وبروز المشكلات ثم المزيد منها في المحافظات على المستويات الاجتماعية والمرورية والبيئية وتفاقمها منذ مطلع التسعينات مايؤكد خطأ التخلي عن هذا القطاع , لكن العودة عن الخطأ لارتكاب خطيئة ليس هو الحل,ولابد من التفكير بخيارات أخرى غير محاولة إحياء ديناصورات النقل الداخلي أو استقدام ماهو أكثر حداثة من الصين أو إيران!!.