بعد الحرب العالمية الثانية عبر المخزون الثقافي القومي والتقدمي عن نفسه بالإضافة إلى الأحزاب التي قامت في المشرق والمغرب «البعث العربي الاشتراكي... السوري القومي الاجتماعي... مجموعة الأحزاب الشيوعية العربية... إلخ »... بحركات التحرر الوطنية التي سعت لحصول الأقطار العربية التي صممت خارطتها بمعزل كامل عن شعوبها، على الاستقلال عن الاستعمار الأوربي بصوره المختلفة. و اقتضى ذلك مجموعة من الثورات – كما سميت في حينه – انتهى معظمه إلى نيل الاستقلال. و قد عرفت هذه المرحلة ثقافة التحرر و البناء الوطني و القومي.
في وسط هذه البيئة الملازمة لتطور الثقافة العربية في حينه، وقعت كارثتان متتابعتان كان لكل منهما وقع الزلزال الحقيقي في الحياة العربية الحديثة و المعاصرة:
احتلال فلسطين و قيام إسرائيل.
حرب حزيران 1967.
تتابع ذلك بثقافة وأدب القضية الفلسطينية أولاً ثم أدب وثقافة الهزيمة.
جاء العمل الفدائي الفلسطيني رداً على الحرب الحزيرانية ليشكل سمة تميز واقع ثقافي معين ربما يمكن تسميته ثقافة و أدب المقاومة، وظهرت مجموعة كبيرة من الأحزاب و الحركات القومية على هامش المقاومة، وقد أسهمت مع غيرها و مع الحكومات العربية بشرذمة العمل الفدائي الفلسطيني و إلباسه رداء الخلافات العربية العربية. تراجع أدب المقاومة وثقافتها بعد حرب تشرين 1973 ليظهر أدب و ثقافة الدولة العربية الحديثة و ما عرف بالتضامن العربي الذي بدا كأنه وعاء لضب و إزاحة فكرة الوحدة العربية و الغلو فيها. من ناحية سياسية تميزت هذه الفترة بالمجاملات السياسية العربية - العربية عن طريق غض النظر عما تفعله الأنظمة العربية بشعوبها و عملية التنمية فيها، و انتشار ثقافة الرشوة على حساب العقل و المبادرة و التعلم.
هكذا وصولاً إلى الكارثة التي تعيشها الأمة اليوم و ثقافتها هي أشد خطورة من كارثة فلسطين و حرب حزيران، رغم شدة ارتباطها بهما. والكارثة الحقيقية أن ما نعيشه اليوم جاء تحت عنوان حركة الشباب العربي «الربيع العربي» للمطالبة بالحرية و الديمقراطية ؟؟!!.
بماذا نسمي ثقافة و أدب المرحلة القائمة و إلى أين نتجه في هذا وذاك.؟
إذا عدنا للسير مع الأحداث المفصلية التي مررت بها فسنجد أننا في الرد على الواقع و محولات الخروج منه كنا دائماً مستوردين قليلي الفعل و التأثير ؟! الفكر القومي... الفكر التحرري... الفكر الاشتراكي... إلخ...!؟ إن الترابط الفكري بين البشرية، و الأخذ و الاقتباس، أمر ممكن لا بل ضروري. لكن يجب أن نخضعه لسلطة العقل المبادر و الثقاة المتجددة... وليس لفكر السلطان و تشدق المنتفعين.
لقد أدى ذلك بنا إلى التراجع المستمر وصولاً إلى حالة التردي التي نعيشها و ما زال العقل الثقافي العربي في ترنيمة النقل دون تفاعل و خدمة السلطة القائمة أو المحتملة دون فعل !! و على هامش كرة الهزائم و الفشل يمد الفكر الديني برأسه دائماً و معه وصفة لم تصلح الحال منذ سقوط الدولة العباسية و حتى اليوم، ليقدمها مشروع حل مزعوم يشبه إلى حد بعيد حالة الموت الرحيم. و الغريب أن نجد بين رواد الفكر الاشتراكي.... التقدمي.... القومي... و حتى العلماني من يدافع عنه أو يحمل لواءه... هل سمعتم يوماً عزمي بشارة كيف يمتدح السلطة العثمانية و يدافع عنها.. ؟