وإرغامها على قبول الأجندة التي رسمتها لسورية والمتمثلة بإسقاط نظامها السياسي وضرب بنيتها الداخلية وتدمير عقدها الاجتماعي، بعد كل هذا الذي حدث يبدو المشهد السياسي بمستوياته الإقليمية والدولية مختلفاً، وعلى عكس ما اشتغلت عليه أطراف المشروع الغربي الصهيوني المتحالف مع القوى الرجعية في المنطقة حيث يسجل محور المقاومة وحلفاؤه المزيد من الانتصارات في كل الساحات ويفرض نفسه لاعباً أساسياً في المشهد الدولي، ما يضع العالم أمام حقائق جديدة تمهد لرسم ملامح نظام دولي جديد.
لقد استطاعت سورية بصمود شعبها وتضحيات أبنائها وشجاعة قواتها المسلحة وثبات قيادتها السياسية وتمسكها بثوابتها الوطنية ودعم حلفائها أن تسقط مشروعاً هو من أخطر المشاريع التي استهدفت المنطقة العربية والأمة على وجه العموم منذ اتفاقية سايكس بيكو قبل مئة عام، ولعل خطورته تكمن في القوى الكبرى التي تبنته وجعلته في استراتيجياتها، إضافة إلى اعتماده على قوى في المنطقة وبعض حكوماتها أدوات له، واستغل الظروف التي يعيشها أبناؤها من فقر وظلم واستبداد سياسي ليكونا وقوداً له ما جعل الثمن فادحاً والخراب والدمار والموت يفوق كل تصور.
إن الإصلاح أو التغيير بكل أشكاله سواء كان سياسياً أو غيره لا يمكن أن يحصل في أي بلد من بلدان العالم إلا بفعل الداخل وعبر الآليات السلمية والديمقراطية، وليس من خلال العنف والتدخلات الخارجية أو فرض العقوبات الاقتصادية والحصار على الدول، فهذه أساليب استعمارية وغير شرعية ولا جدوى منها، وثمة العديد من الأمثلة على ذلك ولعل الأخطر من ذلك كله الاعتماد على القوى الخارجية غطاء وداعما للوصول إلى ذلك الهدف، من هنا كان رفض القيادة السورية منذ بداية الأحداث الاستجابة لأي مطلب بفعل الضغط الخارجي وإنما استجابة للإرادة الشعبية وعبر الحوار مع الجمهور السوري بكل تشكيلاته.
لقد استطاعت سورية فرض أو ألوياتها فيما يتعلق بمؤتمر جنيف بنسخه السبع بإصرارها على جعل مكافحة الإرهاب أولوية لقناعتها بمخاطرة على الجميع أولا وأنه استخدم ويستخدم أداة ضغط سياسي بهدف تحقيق مكاسب للقوى التي استثمرت فيه، ولعل التبدل الحاصل راهنا في ظروف الأزمة السورية، ومواقف الدول منها يرجع بشكل أساسي إلى كسر شوكة الإرهاب كأداة ضغط وقتل واستنزاف للدولة السورية ما يضع جميع القوى في حجومها الطبيعية ويحيل آليات الحل السياسي المنشود إلى الشعب السوري كمرجعية وحيدة له لأنه مصدر الشرعية لأي سلطة وطنية وهو ما اكد عليه السيد الرئيس بشار الأسد في القمة التي جمعته مع الرئيس بوتين وما تضمنه أيضا البيان الذي صدر عن القمة الثلاثية في سوتشي بين بوتين وروحاني وأردوغان الذي أعقبت القمة السورية الروسية.
إن حالة من التفاؤل بدأت تسود الأوساط السياسية بقرب انتهاء الأزمة في سورية بعد التغير الحاصل في الميدان العسكري وانعكاسه على البيئة الدولية الأمر الذي وفر ظروفاً افضل لحل سياسي توافقي بفعل قوة الداخل السوري، إلا أن ما يصدر عن بعض المسؤولين الأميركيين من تصريحات ببقاء قوات أميركية على الأراضي السورية حتى يتحقق ذلك عبر جنيف دليل على عدم الرغبة الأميركية في الوصول إلى حل سياسي وإبقاء حالة التوتر والعنف ونزيف الدم ما يؤكد أن هدف أميركا وتحالفها المزعوم ليس القضاء على الإرهاب أو مكافحته وإنما تكريس وجودها العسكري في المنطقة والسعي لجعلها تعيش حالة من عدم الاستقرار ما يجعل الأبواب مفتوحة لمزيد من التدخلات الخارجية وتأجيج الفتن وافتعال الصراعات البينية، وهذا بالتأكيد لن يكون في مصلحة أحد بما في ذلك الساعون إليه لأن قيام واستمرار ظروف كهذه سيوفر بيئة خصبة مولدة للعنف والصراع، وهذا بالتأكيد سيكون له انعكاسات كبيرة على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ويطرح السؤال الكبير لمصلحة من؟ ومن المستفيد من كل ما يجري سوى شركات السلاح وأمراء الحروب والعولمة المتوحشة؟.
khalaf.almuftah@gmail.com