تعرضت تدمر البهية لمحاولة كشّر خلالها الهمجيون عن انيابهم. و إذ هب الجيش العربي السوري لنجدة المدينة فقد سجل موقفاً تاريخياً لا ينسى في نجدة هذا المعقل الحضاري. و المهم جداً – في رأيي – ما نقلته الأخبار من أن أبناء المدينة كان لهم وقفتهم الشجاعة خلف الجيش لمنع وقوع الكارثة.
لماذا أقول ذلك ؟
ترمز تدمر إلى حضارة الشرق أكثر من كل الأوابد الأثرية التي عايشت الحقبة الرومانية. أثارها مشرقية تدمرية رغم شدة التبادل و التأثر بالمحيط التاريخي الروماني. و هي إلى ذلك متميزة بتوضعها القائم حتى اليوم و الذي يرسم بوضوح تشكل المدينة و زهوها.
لن انكر أو أتجاهل أن المواطنين السوريين الذين قاتلوا مع الجيش في تدمر و كان لهم دور هام في ايقاف الهجمة الهمجية للإرهاب، إنما هبوا يدافعون عن حياتهم... لكنني أفترض أن بينهم أكثر من شخص أراد الدفاع عن آثار تدمر و تاريخها و عراقتها... عن سرير بنت الملك... عن معبد بل... عن مدافن التدمريين... عن الأعمدة و النقوش الفريدة... عن المسرح و المتحف و.. و...إلخ، هذا يعني أنه أراد الدفاع عن ثقافته... و هو ما أبحث عنه... فهل نحن شعوب الشرق أعداء الثقافة... أعداء الحضارة حتى و إن كانت حضارتنا ؟!.
لا يمكن أن ننكر أن الهجمة الهمجية الفريدة على حضارة و ثقافة المشرق تتم بعزائم أبناء المشرق أنفسهم !!! صحيح ليس كلهم، لكنهم مشرقيون غالباً إن لم يكونوا جميعاً. و دعمهم يأتي من عقول و خزائن دول في المشرق.. ليست الخليجية وحدها بل أيضاً دول عربية أخرى و تركيا. و يذكر هنا أن بداية قيام الإمبراطورية العثمانية تمثل بدخولهم كنيسة آية صوفيا في القسطنطينية «اسطنبول» و أول ما فعلوه فيه قيامهم بدهان الجدران و الرسوم و الأيقونات الفريدة التي حوتها الكنيسة ! و رغم أن تركيا ما زالت تبذل الكثير لترفع الدهان عن الكنوز الثقافية التي طمستها بيدها، فإن العثمانيين الجدد يشهدون بسعادة و شماتة تدمير المحتوى الثقافي في سورية و العراق حتى و إن كان اسلامياً. و تدعم مع الداعمين الهمج في حربهم الارهابية على شعوب المنطقة و حضارتها و ثقافتها.
السؤال: هل نرتبط نحن «شعوب المشرق» بحضارتنا و ثقافتنا التي تمثلها الآثار ارتباط من يهب للدفاع عنها كثقافة ؟
أظن أن الأمر نسبي.. و بالتالي لا يجب أن نعلق مشكلاتنا على مشاجب غيرنا، كأن نتهم الغرب مثلاً.
لم يكن الغرب يوماً باسلاً مستبسلاً في الدفاع عن حضارة الشرق الثقافية. و إن كان أظهر نظرياً الاحترام لهذه الحضارة. فمما لا ينكر أن الغربيين اسهموا كثيراً بالكشف عن المكنون الحضاري للمشرق. آثار الفراعنة... ماري... أوغاريت... آثار بلاد الرافدين... إلخ. لكنه غالباً نظر إليها كموروث تاريخي هو الأجدر في اقتنائه و امتلاكه. و لذلك رأيناه في مواجهة الحملة الهمجية لتدمير حضارة الشرق و آثاره... يكتفي بإظهار قلقه العلني... و لعله لا بأس في أن يشتري و يقتني الآثار المنهوبة المسروقة فيشارك اللص الارهابي و يؤمن له فرصة الاستمرار بإرهابه...؟!
لست ميالاً أبداً لأحمل مسؤوليتنا لغيرنا... لكن يجب أن يذكر التاريخ أن الغرب الحضاري تخاذل في الدفاع عن هذه الحضارة المشرقية.
as.abboud@gmail.com