ما جرى سبقه قصف تمهيدي مكثف لم يخلُ من التجني على وقائع التاريخ والجغرافيا، ويُستكمل اليوم في الهجوم المركز على المقاومة، ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بها، بتواطؤ عربي يطرح عشرات الأسئلة المحيرة عن واقع تقوده المشيخات إلى الانتحار السياسي عبر سلسلة من المحاولات العبثية، التي لم تكتفِ بتحطيم وتخريب ودمار الدول العربية، بل تمتد لتصل إلى تحطيم آخر أدوات العمل العربي، وفرض المعادلات التي تعيد رسم خرائط المنطقة على أساس تقاسم المصالح بين إسرائيل وإسرائيل!!
المشهد يتم التسخين له بخطوات متسارعة لم تبدأ من اجتماع الجامعة المصادرة سعودياً، بل تم القصف التمهيدي إيذاناً ببدئه منذ سنوات، وعندما فشل المشروع في تحطيم حلقة الوصل الأساسية في هوية المنطقة، تم اللجوء إلى التركيز على المقاومة اللبنانية، واستحضار لغة العداء والاستهداف بدعم إسرائيلي يصل إلى حدود الاستعداد لتكون الذراع المحمولة سعودياً، وإن أبدت عدم الرغبة في الانجرار خلف الحماقات الصبيانية، أو تردداً في قبول المهمة الموكلة إليها.
هذا يتقاطع إلى حد بعيد مع جذور المشروع الوهابي الصهيوني، ونقاط التوافق القائمة في سرديات العمل السياسي الموازي له، حيث التطبيع وإشارات الغزل المتبادل بينهما لم تعد حالة عرضية أو موسمية ولا حتى مرحلية.. بل تتقاسمها عوامل استراتيجية اقتضت في الحد الأدنى الإفصاح عن بعض تفاصيلها المسكوت عنها في سياق التجريب المتعمد لمدى قدرة المنطقة على تحمل تبعات الارتدادات الناتجة فيها.
الأخطر أن التركيز على استهداف المقاومة، وبهذه اللغة العدائية والإقصائية والإلغائية، تشكل أنموذجاً للسلوك الجامح والمتهور في فهم عوامل القوة المحرّكة، وقوة الدفع للمشروع السعودي الإسرائيلي المبنيّ على فرضية استحداث المشهد العدائي، بحيث تكون المساومة الرخيصة على إشغال المقاومة أو محاولة إسكاتها لتمرير المشروع، أو الصفقة التي تسعى إليها أميركا وتنفذها السعودية وإسرائيل، بحيث تتكفل السعودية بتكلفة الصفقة، فيما إسرائيل تقوم بتنفيذ مهمات دعم ومشاغلة في المنطقة عبر أعمالها العدائية.
ويتضح ذلك بصورة جليّة في المهمات القذرة للمشروع السعودي الإسرائيلي، والذي يشكل إعادة اصطفاف سياسي تكتمل جوانبه أو مرتكزاته من خلال تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، وتشكيل خريطة تحالفات سياسية على أسس تتوافق مع المصالح الأميركية في عملية هروب من عجز المشروع الأميركي، أو كمحاولة التفاف على الفشل في تمرير المشروع الإرهابي وأفول صلاحية استخدامه.
وفي سياق المقاربة المعمول بها سيكون تتويج المشهد باحتفالية التطبيع مع إسرائيل، بحيث يكون الثمن المقبوض سياسياً من رصيد المنطقة، ليتم لاحقاً ترتيب الحالة الإقليمية لتكون في خدمة المشروع الجديد، رغم اليقين أن أفق المشروع محكوم بمجموعة من المحددات الأساسية التي سيكون من الصعب تجاوزها، وفي مقدمتها أن المقاومة ليست حالة منفردة، أو قوة منفصلة عن الواقع، بل تتجذّر عبر معطيات سيكون مجرد التفكير بالاستفراد فيها انتحار سياسي للمنطقة برمتها، فالمواجهة القادمة مفتوحة على جبهات تمتد جغرافياً وسياسياً في عمق الوجدان الشعبي، وتحمل أطر الحسم النهائي للمعركة المنتظرة.
فأدوات المواجهة، رغم مشاهد الخلل الظاهرية، لا تعكس في واقع الحال كامل إمكانيات محور المقاومة ودورها ومعطيات وجودها، بل ما تبطنه يبقى أكبر من قدرة أي مشروع على المسّ به، خصوصاً أن ما يستبقي الحالة القائمة تحدّه عوامل لا علاقة بقدرات وإمكانيات محور المقاومة، بل يرتبط بعوامل أخرى ذات أبعاد سياسية، ما يدفع إلى الجزم أن استهداف المقاومة لم يكن في التوقيت الخطأ فحسب، بل أيضاً في المكان الخطأ، والموقع الخطأ والحساب الخطأ، لتغدو «صفقة القرن» آخر التمنيات وربما أبعد من أضغاث الأحلام.
a.ka667@yahoo.com