لناحية تحقيق الأهداف والخطط المرسومة والوصول إلى المنجز الأهم والأجود في أقل وقت، دون ضياع لذرات الزمن ودون هدر لدقائقه، التي تعبر عن حالة الفرد أو المجتمع فيما إذا كان متخلفاً أو متطوراً.. ومن خلال دراسة ظاهرة استخدام الوقت الأمثل لإنجاز الهدف الأمثل يكون المؤشر دالاً على سرعة التطور وقيمة المنجز المادي والمعرفي والأخلاقي، لذلك تصبح كلمة الوقت كلمة معقدة لها أبعاد عميقة.. غاية في الأهمية بالنسبة للشعوب التي تتقن فن استخدام الوقت إلى أقصى الدرجات، وهذا ما تعمل عليه المجتمعات الرأسمالية.
وفي الأمثال قيل (الوقت كالسيف.. إن لم تقطعه قطعك)
فهل يا ترى جاء هذا المثل من فراغ؟ وهل يصلح أن نشبه الوقت بالسيف؟.
للأسف.. نحن في البلدان النامية لا نعير اهتماماً للوقت.. ولا ننتبه إذا ما ضيعنا الساعات.. فالوقت لا قيمة له في مجتمعاتنا التي هي بمعظمها مجتمعات ريفية لديها القدرة على الصبر من موسم إلى آخر ومن سنة إلى أخرى لأنها تتعامل مع الطبيعة والأرض والنبات.. بعكس المجتمعات الصناعية التي تبرمجها الآلات فتبرمج العامل معها كما تبرمج الإنتاج.
ومع أن التحولات كبيرة في عصرنا الحالي وربما أهمها الاستخدام الكبير للانترنت وللهواتف النقالة التي تستهلك دخل الفرد بالثانية وأجزائها وتدخل المعلومات إلى دماغه بالثانية أيضاً، إذن نحن نعرف أن للوقت ثمن، ومع ذلك نهدر الوقت ولا نبالي.. وكأن الدقائق التي تذهب لا تعطل الحركة ولا توقف العمل وتهدر الطاقة.. وإذا كان الفرد في مجتمعاتنا الاستهلاكية المتخلفة لا يستطيع برمجة الوقت فعلى الدولة والمختصين الانتباه للوقت الذي هو فعلاً كالسيف، ومن مظاهر الهدر للوقت - التي هي الوجه الآخر للتخلف هذه الشوارع الضيقة التي تختنق بالسيارات وتعطل حركة الوقت عن الجريان فيتأخر الموظف وبالتالي يتأخر الإنجاز، وإذا كانت الطرقات القديمة ضيقة ولم تتنبه الوزارات المسؤولة لحركية المستقبل وتطوره.. فلماذا تعيد وتكرر الخطأ ذاته بعد عشرين عاماً؟.
ولماذا كل هذه التعديات على الوجائب والأرصفة والشوارع ما يؤدى إلى الإعاقة في الحركة والاستفادة من الوقت، حتى الأطفال يتضررون من هذا الهدر لأن الأم عندما تتأخر في طريق العودة تأخذ من وقت الطفل ووقت راحتها فيؤثر على عطائها لأبنائها وبيتها.
الوقت في المجتمعات الغربية محسوب بالثانية.. ووسائل النقل العامة مدروسة بحيث لا يضيع الوقت، حتى أن استخدام الهاتف لا يكون عشوائياً وهو للضرورة وليس للثرثرة بينما نحن نقوم بزيارات على الهاتف الذي (يمرك ويمرك) ونحن نقصّ سيرة القهوة والجارات وما عرضه التلفاز وما قالته قارئة الأبراج، وماذا سنطبخ اليوم، وأين سنذهب غداً.
بصراحة.. هذا مؤشر على أن الوقت لا قيمة له عندنا لأننا بهذه الطريقة نهدر أعمارنا أيضاً ولا نفي بالتزاماتنا الحضارية والأخلاقية.. فقلما يصدق نجار، أو حداد، أو صاحب مصلحة.. واليوم يصير أياماً.. والساعة ساعات.. وهكذا نجد أنفسنا أيضاً عاجزين عن تحقيق الوعود الآن، فالحلقة متصلة فالسائق الذي يضيع وقتك سيجبرك على أن تضيع وقت مدرستك.. وهكذا دواليك.. الوقت يجري والسنوات تركض ونحن لم ننجز شيئاً.. فهل سننجز إعمار وطننا في الوقت المحدد؟
سيكون هناك أعذار وتبريرات أكيد.. وهذا ليس بغريب.. لأنه تقليد اجتماعي لا يمكننا التخلي عنه.. سنجد الحجج الكثيرة والأعذار الرنانة للتنصل من وعودنا (مثل الجمعيات السكنية وغيرها)
فالوقت ضيق.. لكنه يتسع بالعطاء والتخطيط والإنجاز المحدد في الوقت المحدد.