حكاية الزج بالفلسطينيين - والشرارة من « المخيمات » ليست المحاولة الأولى، ولم يكن التلويح الأول، ولا هي فقط الورقة الاحتياطية للدفع بالأمور نحو مفاز آخر أكثر خطورة، لكنها في التوقيت والطريقة ترسم علامات استفهام كبرى، بعدما استحضروا ما استطاعوا لها وحشدوا ما تمكنوا ، وكان التحضير الإعلامي والسياسي للنفخ في البوق قد سبقها، وباشر في رسم الصورة الافتراضية التي اعتاد عليها قبل كل فصل جديد من فصول التآمر.
تآمرٌ في الاتجاه، كما هو في المنهج، وتآمرٌ في الأسلوب كما هو في المضمون، قبل أن تطأ قدم أول مسلح للمخيم، كانت قنوات الدم قد أفسحت في الحديث عن الاحتمالات والخيارات لما بعد دخول المسلحين والتمركز داخل المخيم، ولم تنس بالطبع الحديث عن سيناريو الرد، وتداعيات كل رد.
في المبدأ.. لم تكن قضية توريط فحسب، بل هي تتحرك أبعد من ذلك بكثير حين تكون تعويضاً عن الفشل في السياسة، وتغطية على العجز والإفلاس في الميدان، بعد أن سقطت كل الخيارات والطرق والسبل، وجاءت بعدها عواصف الحديث السياسي وأعاصير التكهنات لتدفع بها نحو سقوف جديدة.
فالمخيمات مهما تكن الاعتبارات التي تحكمها، ليست خارج حسابات المشهد بعد أن استدرجت أدوات المؤامرة كل الموبقات التي عهدتها البشرية، ولم يكن مستبعداً أو من غير الوارد أن تجري محاولات الزج بها في آتون الأزمة، خصوصاً بعد أن كانت تجربة الأسابيع الأولى شاهداً حاضراً في كل المراحل.
ما دفع بها إلى السطح لم تكن تلك الاعتبارات على أهميتها وحساسيتها، إنما في جوهرها ناتجة عن السلوك المتعمد الذي لجأ إليه البعض المحسوب أساساً في الخانة الخطأ، وأعلن في استعراض صبياني قبل أيام في غزة عن مهرجان تسويق لذلك الموقف، في أمر عمليات وتحديد دقيق لساعة صفر جديدة، تيمناً بساعات صفر وخضر وحمر ومن كل الألوان، كانت قد سبقتها، والتي التقط إشاراتها المرتزقة في الداخل والأجراء في الخارج، و« المتزعمون » الجدد المتربصون في كل زوايا الاستهداف القائمة.
هذا ليس اتهاماً بل قراءة في معطيات لا يمكن تجاهل تداعياتها، ولا حصر انعكاساتها في وقت تواصل دوائر القرار المتنفذة داخل الأقبية السرية رسم الصورة المنتظرة لأدواتها بعباءتها الجديدة، وقد أخرجت أوراقها ومحاضر جلساتها ومداولاتها إلى العلن بصراحة لم تكن خافية على أحد.
ما يؤكد ذلك ليس الشواهد على الأرض، بل أيضاً السياقات المتدرجة والتصريحات المتدحرجة التي انهالت يميناً ويساراً، والحماسة العجيبة التي طالعتنا بها قوى وأطراف كانت تنتظر على الخط إشارة البدء، وقد تم تحضيرها وتظهيرها مسبقاً، فكان التسابق في كل الاتجاهات، ولم يخلُ من تدافع، وأحيانا اصطدام عرّى بعض ما خفي منها، وكشف الكثير مما استتر منها.
ما يهمنا ليس التحليل والاستنتاج والتفسير، وكل ما يجري قد تم تحليله واستنتاجه وتفسيره حتى غصّت به القنوات، ما سبق منها الحدث، وما لحق به،.. التي تفرغت له، أو تلك التي أجّرت صوتها وكلمتها ودورها مسبقاً، وما كانت قد حادت لبعض الوقت، أو التي انزوت منذ البداية وباشرت في قصفها.
وما يعنينا ليس فقط ما توارى خلف الأكمة، وما يستتر وراء الذرائع على أهمية افتضاحه، ولا ذلك التهويل والتضخيم، أو تلك الأصوات المبحوحة التي خرجت قديمها وجديدها.
وما يستوقفنا ليس فقط ما علق في أذهان البعض أو ما جاء على ألسنة محركي الفتن والغامزين من قنوات الموقف والدور، والباحثين عن العودة إلى الأضواء بعد غياب طويل حين ابتلعوا ألسنتهم.
نحن أبعد من ذلك كله، وفي المنطق اليوم، ثمة وقائع وحقائق تستدرج بعضها، تحتاج في مجملها إلى توضيح وتحديد وتوقف طويل وتمعن ربما أطول، وتستدعي بالضرورة وضع النقاط على الحروف التي توهم البعض أنها قد تناثرت أو تباعدت أو افترقت.
سورية والقضية لا يمكن أن تفترق، وسورية والمخيمات اصطلاحاً ليست للتداول في سوق اكتظت بالبضائع الفاسدة، ولا هي للبيع والمتاجرة، وسورية والمخيمات ليست للصورة التي ينتظرها المفلسون والعاجزون.. سورية والمخيمات حكاية لم تبدأ مع الأزمة، ولم تكن وليدتها، ولا يمكن أن تنتهي هنا.
فالعابثون والمحرضون والمتورطون بتدرج أطيافهم الممتدة من مشيخات الخليج إلى أُجراء الخارج، ومرتزقة الدم.. ومتاجري القضية.. مروراً بأباطرة العثمنة.. أسقطوا حتى ورقة التوت!!
المخيمات وفلسطين وقضيتها.. كلمتنا ودورنا، ونعرف كيف ننقذها منهم جميعاً، الذين باعوا قبلها وبعدها، واسترزقوا على نعوش دفنوها عشرات المرات، ونتقن معها وعبرها حدود التلاقي والتقاطع والفعل في حضورها، فهي لنا ونحن لها في الأمس واليوم وغداً.
a.ka667@yahoo.com