| الوطن الفلسطيني.. الجملة والتقسيط قضايا الثورة سواء كان ذلك بخطة فصل على طريقة شارون أو لم يكن, ولنقل أن ثمة حضوراً مكثفاً لنظريات وخلفيات التحليل السياسي لذلك الحدث بين الواقعية من جهة وبين نظرية المؤامرة من جهة ثانية, غير أن المشهد الراهن لايفصح إلا عن إخلاء غزة بالفعل من مظاهر الاحتلال ومن المستوطنين والمستوطنات رغم المساواة التي عرفها تاريخ الصراع مع إسرائيل بين هذه العناصر الثلاثة, فإما أن يسبق الاستيطان والمستوطنون الاحتلال أو أن يمهد الاحتلال لهما. لكن المتفق عليه بالتأكيد هو أن تجربة الاحتلال الصهيوني للأرض العربية هي تجربة مختلفة بين مختلف التجارب الاستعمارية المؤرخة, ووجه الاختلاف هو بالضبط الوجه الاستيطاني لهذه التجربة, وهو أيضاً أكثر مصادر الخطورة فيها, ذلك أن ثمة أبعاداً اجتماعية وثقافية للاحتلال فضلاً عن بعده العسكري, الأمر الذي يجعل من ثورات الاستقلال تجاهه أكثر صعوبة ومرارة, فهو ينطوي على قلع أكثر من شوكة وإزالة أكثر من ألم. ومن هذا المنظور لتحليل ما حدث يمكن أن نثبت حقيقتين: الأولى: إن استقلال الوطن الفلسطيني لا يمكن أن يكون ناجزاً في مرة واحدة ولكامل الأرض الفلسطينية على طريقة أكثر تجارب الاستقلال الوطني في التاريخ, وبالتالي, فإن الانسحاب الإسرائيلي من غزة, حتى ولو اسماه شارون خطة فصل, هو مسار صحي نحو تحرير الوطن الفلسطيني نظراً للطبيعة الاستيطانية التي ينطوي عليها الاحتلال الإسرائيلي. الثانية, إن غزة التي ظلت على الدوام وجعاً إسرائيلياً مزمناً, لم تكن لتتحرر إلا بفعل المقاومة, وإلا فلماذا لم ينسحب الاحتلال منها طيلة ثمانية وثلاثين عاماً ماضية كان قادة إسرائيل خلالها دائمي الشكوى والتذرع منها لكن أحدهم لم يقدم على ما أقدم عليه شارون تحت عنوان الفصل? أياً كانت ذرائع النقاش ومبرراته, وأياً كانت نتائجه والقناعات التي سيؤدي إليها, إلا أن حرية القطاع اليوم, ورغم الأسوار الاحتلالية التي ستظل تحيط به, هي مقدمة طبيعية لنهاية احتلال غير طبيعي, بل هي دليل على الأقل على تلاشي فكرة الاستحالة, ذلك التلاشي الذي بدأ في جنوب لبنان وهاهو اليوم يتعزز ويتوطن في غزة.
|
|