وقدم مطالعة سياسية تسربت على لسان مسؤوليه بتعدد مرجعياتهم، تنسف أساس البيان، وتضع كماً هائلاً من علامات الاستفهام الكبرى حول الغاية منه والهدف الذي يرمي إليه، إذا كانت ستليه تصويبات وتفسيرات وشروحات تأخذ منه ما احتواه من نقاط إيجابية، وتُضيف عليه حيث يجب أن يُحذف، وتحذف منه حيث يُفترض أن تضيف.
لم يكن مفاجئاً هذا النكوص الأميركي، ولا أن يفضي في نهاية المطاف إلى تحولات في جانبيه لا تقل خطورةً، وترافق ذلك كله بسلسلة من المؤشرات التي أضفت مزيداً من الغموض والضبابية على السلوك الأميركي، بدأت من تشعبات العلاقة مع داعش، وما تفرزه من تداعيات لا تكتفي بالمساهمة الأميركية المباشرة في دعم التنظيم، بل برفع وتيرة التنسيق ليكون جزءاً من مكونات منظومة المرتزقة الأميركية الممتدة في عمق الحالة الداعشية، وليس انتهاءً بما تحمله التسريبات الأميركية ذاتها من اعتبار البيان مجرد مادة للاستهلاك الإعلامي والدعاية السياسية العبثية، مروراً بالحالة الإقليمية ومشهد الحسابات والمعادلات التي تتبدل وتتغير تبعاً لقرب أو بعد تأثيرها في تجاذبات العلاقة الأميركية بتلك الأدوات وما يجاورها.
فالحديث الروسي عن دور أساسي لطرف ثالث ساهم في هجوم داعش، أو محاولته شنَّ هجوم معاكس باتجاه البوكمال، ليس مجرد موقف اتهامي خارج سياق الحالة السياسية، ولا هو منعزل عن محاولة التأسيس من خارج منظومة العمل الدبلوماسي وتبعاتها، بحكم أن ما يجري سيبقى سياقاً موازياً تعمل على تعزيز حضوره، ليكون مؤشراً إلى صياغات سياسية قادمة، ليس أولها ما يظهر من تباينات حادة على مسرح الأحداث العالمية، خصوصاً أن نقاط تأجيج الصراع تبقى مفتوحة حتى إشعار آخر، والأهم قابليتها للتوسع والاستمرارية، وما تستجرّه من تبعات تحاول أن تتكئ على مكافحة الإرهاب، واعتبار ذلك رافعة للمواجهة السياسية المحتدمة على الجبهات المختلفة.
ورغم اليقين باستحالة فصل القضايا الإقليمية، أو عزل عناصرها وإبقائها خارج سياق التأثير المباشر والتداعيات المرتبطة بأدوات الصراع، فإنه سيكون من المستحيل أيضاً إنجاز اتفاق أو إيجاد صيغة توافقية لصراعات مركبة ومعقدة، ومتعدية في ارتباطاتها الإقليمية، ما يرجح كفة البحث عن مفاهيم قابلة للمزاوجة الإقليمية، وفي الحد الأدنى البحث عن عناصر مشتركة، يبدو من الصعب توافرها في ظل الظروف الراهنة، لأنها تحتكم لمصالح متناقضة، وتعتمد على صيغ قابلة للاستخدام المزدوج، حيث ما يخدم مصلحة الأميركي، يبدو نافراً ومؤذياً للآخرين، والعكس ليس صحيحاً.
المفارقة أن الأميركي ليس بوارد البحث عن مخارج رغم التورّمات الظاهرة في مقارباته، وحالة التأزُّم التي تبدو أحياناً، بل ليس هناك ما يلزمه بذلك، ما دامت مصالحه حتى اللحظة تتحقق حتى آخرها، من دون أن يترتب على ذلك ما يفرض عليه أي التزام، ومن دون أن يدفع شيئاً، وهو ما تجد فيه الإدارة الأميركية متسعاً يصلح للاستخدام في إشغال الوقت، ما دامت تلك المصالح في نهاية المطاف تتحقق، ولو كان بدرجات متفاوتة.
وهذا ليس من باب التساؤل بإمكانية إيجاد حلول، أو باحتمال أن تجلس الإدارة الأميركية على الطاولة من عدمه.. وإنما في سياق الفهم الحقيقي لمخرجات الواقع السياسي، حيث أميركا لا تهتم كثيراً بمصالح أدواتها ولا بمصيرها، ولا تزال هي ذاتها التي تستطيع الاستدارة في اللحظة التي تعتقد بجدوى المبادرة إليها، وليس تلك التي تمليها عليها مصالح أدواتها.
وحده ربما الميدان يعود ليفرض إيقاعه.. رغم متاعبه الكثيرة والمشاغبات الأميركية المستمرة حوله وباتجاهه، وسيبقى الثابت الوحيد، وربما نقطة التعويل لأي مسار، لأن للدبلوماسية طقوسها ومشاهد حضورها التي تبقى من دون رصيد حقيقي خارج مفاعيل الميدان وإحداثياته.
a.ka667@yahoo.com