تلك الدماء التي روت أرض الجولان، وأزالت الأسلاك الشائكة التي فصلت بين حبة تراب هنا وحبة تراب هناك قربت اليوم المنتظر، واختصرت مسافات شاسعة من الزمن، وهي ترسم غداً عربياً قد لايشبه الأيام التي سبقته، ولايقبل أن يكون امتداداً لها.
غد يضع نقاطه على حروف الهمّ العربي، ويعيد إلى الذاكرة العربية بعضاً من ملامحها التي اغتربت عن ذاتها، أو تعرضت للاغتراب، وهي على أرضها.. والنظر الممتد نحوها، لايزال يمني النفس بتلك الدروب المزروعة بحلم العودة والتحرير.
مشهد الاقتراب من الأرض المسورة يزرع الأمل بين ضفتي الأرض.. بين تلافيف التلال المتجاورة، ويؤسس لفعل عربي تقوده إرادة التجذر في هذه الأرض مهما طال الاحتلال ومهما تكن درجة عدوانيته.
ذلك كان الجولان في يوم النكبة، وهو في يوم النكسة يغسل يديه مما علق بها من سنين مرت، وقد طوت أشرعتها الأيام الغائرة في حسابات مضت، ليعود إلى المشهد شبان شدوا العزيمة، وأصروا على أن تكون لهم كلمتهم.
لم تكن صدورهم العارية وهي تتلقى رصاصات الغدر من الاحتلال الاسرائيلي فقط عنواناً للمقاومة والإرادة، بل أيضاً كانت رسالة للعالم الصامت على حقهم في أرضهم، وعلى ممارسات الاحتلال التي بدت بالأمس أكثر إجرامية وهي تحاول الاقتصاص من كل من تجرأ على المطالبة بأرضه وحقه.
رسالة تخطها دماء سورية وفلسطينية حيث الأرض هي الأرض ذاتها.. والديار هي الديار، وماسجلته بالأمس كان تأكيداً أنه لا معنى لأسلاك تفصل تلك الأرض، ولا معنى لخطوط تماهت فيها أطماع المستعمر والمحتل، ورسمت تلك الأوهام، فكانت الأرض أكبر من أوهامهم، حيث يتوحد الدم العربي على تلك التلال المتلاصقة.
لذلك ترمي النكسة بأوراقها القديمة.. تعيد ترتيب جداول يومياتها، وهي تلاقي اليوم نبضاً يعيد إلى المشهد ماكان ينتظره منذ أعوام، لا إجرامية المحتل توقفت، ولا عدوانيته تبدلت.. لكنها النكسة، هي التي تبدل من مشهدها.. من معطياتها، فيتحول الخامس من حزيران إلى موقعة لنبض جديد.. ولموقف يحاكي في تفاصيله ماغيبته السنون، وماحاولت أن تخفيه بعض الوقت.
هذا هو الجولان العربي السوري يوقظ من حبات ترابه المخضبة بدماء شهدائه واقعاً جديداً، وتستيقظ معه إرادات شباب كانت سواعدهم تنبض بالتحدي، وهي ترفع العلمين السوري والفلسطيني جنباً إلى جنب إيذاناً ببدء رحلة العودة والتحرير.
مرة أخرى إنه الجولان.. من هناك يكتب التاريخ سطوره، يسجل هلع الإسرائيليين الذين فشلت حساباتهم وتجهيزاتهم في وقف الامتداد الشعبي، أو الحيلولة دون أن تصافح الأيدي السورية والفلسطينية حبات ترابه المتلهفة لذلك العناق، فكانت قطرات دمهم تروي ظمأ طال انتظاره.. ليشرق الغد من الجولان.. من هضبة الحلم العربي في غدٍ يزول منه الاحتلال وينتهي العدوان.
ولأنه الجولان الذي ينبض بوجدان كل سوري.. كانت لتفاصيل يومه حضورها وبمساحات هائلة حيث ترتسم التفاصيل في ذاكرة أدمنت عشق الوطن.
a-k-67@maktoob.com