تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إنهم يغتالون الحضارة ويذبحون التاريخ

معاً على الطريق
الأحد 1-3-2015
مصطفى المقداد

من تدمير تمثالي بوذا في باميان، إلى قطع رأس أبي العلاء المعري، إلى تدمير الأضرحة والمقامات وتخريب الكنائس والأديرة، مروراً بتدمير متحف بغداد ونهب وسرقة آثار بابل وآشور، وصولاً إلى تدمير متحف الموصل، خيط واحد يربطها جميعاً ويقيم فيما بينها كلها علاقة تبعية وتآمر لا تخفى على أحد.

اختلفت المرحلة السابقة في سرقة الآثار والكنوز التاريخية وتباينت ما بين السرقة والنهب والتدمير، فتم تهريب الكثير من تلك الكنور الأثرية خارج العراق وسورية باعتبار أن تلك الآثار يمكن أن تعود بالمليارات من الدولارات على التنظيمات الإرهابية فتوظفها في توسيع دائرة التخريب والقتل وإشاعة فوضى الإرهاب في مناطق أوسع، إلا أن تدمير متحف الموصل أخذ منحى جديداً من حيث التدمير الكلي، فالتكسير الجزئي يمكن أن يعالج بالترميم، والآثار المسروقة يمكن لها أن تستعاد، لكن القرار الأممي بشأن وجوب استعادة الآثار المسروقة، ذلك القرار الذي قدمته منظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم -يونيسكو- دفع عصابات داعش الإرهابية للذهاب بعيداً في تعاملها مع جانب ثقافي وحضاري مهم يؤرخ ويوثق لمرحلة من تاريخ المنطقة العربية، حين كانت هذه المنطقة منطلقاً للتأثير الحضاري في أصقاع الأرض كلها، فكان القرار الداعشي بتدمير كل تلك التماثيل والقطع الأثرية الموجودة في متحف يحافظ على تأريخ الحضارات المتعاقبة.‏

الغرب الاستعماري باعتباره حامل لواء الحرية وحرية الرأي والمعتقد والتعبير وباعتباره مصدر الفكر الليبرالي الحر وباعتباره المدافع عن حقوق الإنسان وباعتباره المطالب بالحفاظ على التنوع الثقافي، وباعتباره صاحب الفضل في طرح الأفكار الإبداعية فإنه يمارس دور شاهد الزور في هذه الأحداث، بل ويتجاوزها إلى حد مشاركة المجرم في تنفيذ جريمته الشنعاء، فكيف لمجموعة إرهابية تقتل وتذبح وتستبيح الحرمات وتدمر التاريخ أن تحظى بدعم الحكومات الغربية، أو على الأقل فإن تلك الحكومات تتغاضى عن جرائمها فتدعم تركيا التي تحتضنها ولا تقدم على اتخاذ أي موقف يطالبها بالتوقف عن دعم تلك المجموعات الإرهابية وفي مقدمتها داعش - المرحلة الأكثر تطوراً في ابتداع الإرهاب والتفنن في تنويع أشكاله.‏

ولا أعتقد أن ثمة فاصلاً ما بين تدمير متحف الموصل وبين عمليات التطهير الإنسانية للسوريين السريان في محافظة الحسكة على مسمع ومشهد الغرب المتبجح بالوقوف إلى جانب حقوق المجموعات الثقافية المتنوعة والحفاظ على التعددية الثقافية.‏

هذا التزامن في الأعمال الإرهابية يعد امتداداً للمخطط الإرهابي الذي صاغته أجهزة الاستخبارات الاستعمارية بمعرفة وموافقة حكوماتها، وتنفذه مجموعات إرهابية ارتبطت بتلك الأجهزة ارتباطاً وثيقاً، إذ تم إعداد أفرادها على التطرف والكراهية وفق برامج نفسية دقيقة اختاروا من خلالها أفراداً من جنسيات عربية عاشت في الغرب وتعلمت في مدارسه وجامعاته وتحولت إلى مناصبته العداء في ظاهرة تخالف العقل والمنطق وهما العاملان اللذان يحكمان مسيرة داعش وبقية التنظيمات الإرهابية، فنجد مجموعات تستخدم أحدث التقانات وتستفيد من وسائل الاتصال الحديثة وتنفذ أفلاماً وفيديوهات بمعايير مهنية عالية الدقة لكنها في الوقت ذاته تقوم بأعمال لا تمت إلى العقل والمنطق بأي صلة.‏

صحيح أن أجهزة كبرى تدعم وتوجه وتخطط لعمل تلك المجموعات إلا أن ردود الغرب الليبرالي تتصف بالمراوغة والخداع فيستمر بذلك مسلسل الإرهاب بأشكال متعددة مدعومة بالتقانات الحديثة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 مصطفى المقداد
مصطفى المقداد

القراءات: 11444
القراءات: 863
القراءات: 798
القراءات: 773
القراءات: 817
القراءات: 841
القراءات: 881
القراءات: 807
القراءات: 857
القراءات: 919
القراءات: 869
القراءات: 858
القراءات: 883
القراءات: 880
القراءات: 888
القراءات: 973
القراءات: 911
القراءات: 960
القراءات: 978
القراءات: 966
القراءات: 839
القراءات: 910
القراءات: 952
القراءات: 953
القراءات: 850
القراءات: 998

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية