تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حتى لا ننسى (2)

معاً على الطريق
الاثنين 2-3-2015
أنيسة عبود

بردت قهوتي ولم استطع حمل فنجان القهوة.. الدموع تملأ عيني..والقهر يملأ قلبي.. المشهد أمامي, لكني لا أريد أن أصدق.

مع ذلك عليّ أن اصدق أن هذه الكتب من المسجد الكبير في حلب..مجلدات من القرآن ومن كتب الفقه ومن كتب السيرة النبوية..‏

كأن هذه الكتب جنود سوريون على الحواجز.. وكأن احتراق أوراقها احتراق لكل قلب يهوى بلده..لكن الصورة الآن انتقلت إلى الموصل..إلى مكتبتها العامة.. الكتب أرواح تتمزق.. الكتب التي ألفها الآباء والأجداد تشبهنا.. هي تحترق ونحن نحترق وقهوتي تبرد.. وأنا لا أقدر أن أوقف الدمع.. إذن لماذا أكتب؟ ولماذا نبني في الكلمات حصوناً للحرية والمساواة؟ لماذا نناضل بالكلمة؟ هل سيقطعون رأسها؟‏

الحروف بشر يمشون في شارع الحياة‏

الحرف ذاكرة تستحضر الآباء والأمجاد‏

الحروف تختصر الأزمنة وتقودنا إلى المستقبل‏

أي مستقبل؟ طالما هناك سيافون للكلمة..وطالما للكلمة ألف وجه ووجه..بعض وجوه الكلم قاتل..وبعضه يحزّ في الجسد..سكاكين تحز رقاب أطفال في الحولة في ريف حمص وحلب..سكاكين تلون دم المتوسط وتشلع الرؤوس التي خلقها الله وترميها للحيتان. الغرب يتفرج..وبعض العملاء من أصحاب الحرف يتفرجون..لكنهم يهبون كالزوبعة من أجل شارل إيبدو في باريس عاصمة الضوء الأسود.‏

بردت قهوتي.. أتذوقها..إنها بلا طعم كما هذه الحياة..كما نفوس البشر..ولولا أنها تأتيني من جهة قاسيون..وقاسيون في قلبي, لقلت القهوة مغشوشة مثل الكثير من الناس..ومثل الكثير من الحروف المغشوشة التي يحملها بعض الجهلاء على أكتافهم ويدورون بها ليبيعوها في سوق الفتاوى والقتل والنهب والجوع.‏

حتى لا ننسى علينا أن نعود إلى الوراء قليلاً.. ليس لنبقى في الماضي..ولكن لنتذكر الحاضر وننطلق إلى المستقبل, إذا ما ترك قطاع الرؤوس مستقبلاً..‏

في الوراء وقبل أربع سنوات كان لنا طرقات جيدة وكنا نسافر عبرها إلى الحسكة والدير ودمشق وتدمر ودرعا وباقي المدن المشلوحة على تخوم القلب..كنا ننزل في استراحات مضيئة, آمنة.. وكان الفجر يبزغ من وراء البوكمال والميادين ثم يقترب إلى حمص واللاذقية ويفترش القلب والأرض..لم تكن الكهرباء تغيب إلا نادراً ولم يكن البرد يجرؤ على التسلل إلى أجساد الأطفال..كانت المحبة تملأ قلوبنا وتتوزع في الحارات والمدن..وكان الريف خيراً لدينا حنطة تكفي خبزنا وقناعتنا ولدينا قطن نرتديه ونملأ معملنا.. نصدر ونصنع في حلب الغالية أروع الأقمشة القطنية..كنا نفاخر بمنتجاتنا وأدويتنا ونتحدث عن الأسعار الرخيصة..لم يكن لدينا أطفال عراة يعضهم البرد وينتظرون (بالة الغرب القذر) ولم يكن لدينا هذه الخيام ولا كل هؤلاء اللئام.كانت أبوابنا موصدة في وجه الريح العاتية..وكان لدينا خبز طاهر وزيت وعسل وصلاة..كان.. وكان..والآن؟؟؟‏

قهوتي مرة جدا» وباردة..يختلط الدمع مع البن الأسود..هل هذه سوريا؟ هل هذه الوجوه القاسية القاتلة من وطني؟ لا أريد أن أنكأ الجراح..ولكن لا أستطيع أن أنسى مشاهد النساء المغتصبات ولا أشلاء ولا‏

ولا غاز الخردل في خان العسل ولا أقدر أن أنسى نهر العاصي المضمخ بالدماء..وإذا أردت أن أنسى فإني عاجزة أمام رأس الشيخ الجليل العلامة (البوطي) الشهيد.. والشيخ أحمد الصادق وشيوخ كثيرين كانوا يبثون المحبة والإيمان والتآخي بين الناس..مع ذلك لم تشفع لهم بيوت الله لأن أعداء سوريا هم أعداء الله..كيف ننسى ما فعلوه في جامعة حلب؟ وفي مساجد سوريا؟ كيف ننسى تراثنا الإنساني الذي تحكي عنه منحوتات عمرها آلاف السنين..هل هذه المنحوتات وهذه الأيقونات ضدهم؟ المشهد يتجدد.المشهد في مصر وفي ليبيا والعراق.. المشهد الأميركي الصهيوني يتجدد, وعلينا أن نجدد الذاكرة حتى نستطيع أن نداويها وننزع منها السكاكين ورؤوس الصبايا الكرديات في عين العرب والأشوريات في تل تمر وغيرها.. وربما نستطيع أن نراقب المشهد في ريف اللاذقية عندما سلقوا الأطفال بالزيت المغلي ولا نقول (آخ) توقفوا..كفى..كفى أيها الغرب اللعين الذي تربي هؤلاء القتلة.. كفى..المشهد أكبر وأقسى من المشاهد الهوليودية.. أما هذه الأقفاص فهي أقفاص أميركا في غوانتانامو..وهذه الثياب الصفراء فهي منسوجة في مصانع اميركية وصهيونية..إنهم يأمرون والعملاء يطيعون.مشاهد ومشاهد.. وآخرها فأس ولحية وصهيوني (بالتأكيد هذا ليس عربياً) يدمر مقتنيات متحف الموصل..شعرت أني أسمع نحيب حمورابي يختلط بنحيب روحي.. بردت القهوة.. ولن اشربها لأنها صارت عبارة عن دموع تزرفها عيون الوطن.. السلام على الوطن الذي كان والذي سيبقى..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 682
القراءات: 805
القراءات: 731
القراءات: 689
القراءات: 723
القراءات: 653
القراءات: 674
القراءات: 870
القراءات: 922
القراءات: 753
القراءات: 729
القراءات: 768
القراءات: 755
القراءات: 848
القراءات: 749
القراءات: 744
القراءات: 734
القراءات: 817
القراءات: 728
القراءات: 880
القراءات: 738
القراءات: 784
القراءات: 871
القراءات: 953
القراءات: 756

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية