نقلت من خلالها رفات أو عظام ما يعتقد أنه «سليمان شاه» جد المؤسس الأول للسلطنة العثمانية عثمان أرطغرل , خشية , كما تقول البيانات التركية , أن يتعرض هذا المقام إلى ما تعرضت له الأضرحة الأخرى على يد التنظيم الإرهابي داعش !
ومع أنها بالتوصيفين الأخلاقي الإنساني والقانوني الدولي الواضحين الجليين .. هي عملية عدوانية لصوصية بامتياز , إلا أن المشهد الدونكيشوتي الذي رسمته وسائل إعلام أردوغان وصديقاتها لأردوغان يثير بعض التساؤلات حول هذه العملية , من حيث أهدافها ومن حيث البناء الوهمي الذي أقيم عليها , فالمقام موجود منذ ما يزيد عن ثمانمئة عام في هذا المكان , مثله مثل الكثير الكثير من الأضرحة والقبور التي حرصت أخلاقيات السوريين العالية دائماً على احترامها وصونها , مع أن هذا المدعو « سليمان « كان فاراً حسب الروايات التاريخية من أمام هجمات المغول , وحين حاول عبور نهر الفرات غرق فيه مع بعض مرافقيه , وحين لم يعثروا له على أثر وجثة أقاموا له ضريحاً رمزياً في جزيرة وسط النهر , وعادوا إلى نقله لاحقاً حين إنشاء سد الفرات إلى ما كان فيه قبل يومين .
الدون كيشوت كان طيباً وبسيطاً وعفوياً ونقي السريرة حين حارب طواحين الهواء , ولم يقصد أن يرسم لنفسه صورة البطل الثائر لولا أن الناس رأته في هذه الصورة .. هو رأى الطواحين أعداء وهي ليست كذلك في الواقع والحقيقة .. فماذا رأى أردوغان !
أردوغان أراد لعب دور الدون كيشوت « البطل الثائر « عن سابق تصميم وتعمد , أي عن خبث وحقد وسريرة تطفح بالسم , وأراد للناس أن يصدقوا أنه دون كيشوت جديد وأن طواحين الدواعش تناصبه العداء كما طواحين الهواء للدون كيشوت .. والواقع أيضاً ليس كذلك على الإطلاق , بدليل حماية الدواعش لعظام سليمان إياه طيلة سنوات سيطرة عصاباتها على منطقة الضريح , في حين أنها طحنت ونسفت وبعثرت معظم عظام الأضرحة الأخرى في كل مناطق سيطرتها .. غالبيتها عظام أهم كثيراً وأكثر رمزية واحتراماً وإجلالاً من عظام فار هارب كسليمان إياه !
مشهدية كاريكاتورية تمثيلية مشبعة بالتفاهة والسخف والأداء التمثيلي المتردي , تشهد على أمية أردوغان الثقافية والمعرفية , ولا تحاكيها أو توازيها سوى أمية الفقراء والفلاحين الأتراك من ناخبي أردوغان , الذين لا يزالوا يرونه في شخصية « العقيد « التي كانها في بداياته , ومارسها أردوغان في إحدى حارات اسطنبول .. قبل أن يكون رئيس بلديتها ثم رئيس وزراء تركيا ورئيس جمهوريتها .. شخصية أسر لي بها أحد الأدباء الأتراك عن أردوغان خلال زيارة سابقة إلى اسطنبول ..
ماذا لو طالب كل مستعمر أو محتل بالأضرحة والقبور التي تحوي جثامين جنوده وقادته وما حولها في الأراضي التي احتلها يوماً ؟