كان هناك ثمة قاسم مشترك بينها، وثمة رابط يشدها فتبدو خطاباً واحداً لا خطابات مُتعددة تتباين في جزئيات وتلتقي على كثير من المُحددات!.
العتبُ على أميركا، لأنها لم تتدخل، لم تحسم الأمر، وكان باستطاعتها فعل ذلك تحقيقاً لكل ما اجتمع عليه القوم الذي تتزعمه واشنطن مع بوش، مع أوباما، مع ترامب .. لا فرق!.
هل قالت الجوقة إياها خلافَ ما تقدّم؟ أبداً، فكل التصريحات والخطابات كانت تُلقي باللائمة على أميركا التي لم تتدخل لتحسم ما قد بدؤوا به حسب مُخططها الذي وزّع الأدوار والمهمات القذرة بين عناصرها وعلى أطرافها كمُعسكر أو جوقة أو مجموعة عمل لا تتحرك إلا بأمر عمليات يصدر عن واشنطن، وواشنطن حصراً!.
آخر خطابات القهر والعتاب الذي تردد في فضاءات العالم صدر من أربيل - كما تعرفون - حيث عبّر برزاني عن دهشته وصدمته واستغرابه واستهجانه من الموقف الأميركي الذي لم ينتصر لخطوته الانفصالية، ولم يقف إلى جانبه بمُواجهة ما سمّاه الهجمة الشرسة ضد مشروعه الانفصالي الذي حرّضته عليه واشنطن ذاتها؟!.
يُعتقد أن جذر القصة قديم، يعود إلى أبعد من 2003 و2005 و2006 ، وبالتأكيد لا يعود إلى أواخر 2010 حيث بدأ ما سُّمي بمشروع الربيع العربي، غير أن هذه المحطات هي بمثابة العمود الفقري لمحاور القصة التي لا يجوز تجاهلها وينبغي العودة لها دائماً لفهم سياق الحكاية.
لماذا تعتب الجوقة إياها على أميركا؟ هل لأنها حامية الحقوق وقوس العدالة؟ ولماذا تشعر أطراف الجوقة إياها بالقهر في كل مرة تُحبطهم أو تخذلهم أميركا فيها فلا تذهب معهم إلى حيث يريدون ولا إلى حيث صوّرت لهم الأمر على هذا النحو أو ذاك؟ ومتى يتعلّم هؤلاء؟ بل هل لديهم القابلية والأهلية ليتعلموا؟.
في 2003 ألّفت أميركا قصة النووي والكيماوي ودعم القاعدة للعراق، ركّبت التفاصيل، وزّعت الأدوار، هيّأت الظروف ووفرت الوقود، والتزمت أطراف الجوقة ذاتها تنفيذ الأدوار فكان احتلال العراق، لكن هذه الأطراف ما زالت تعتب على أميركا وتشعر بالقهر لأنها لم تُكمل المشروع باجتياح سورية.
في 2005 ارتكبت أميركا اعتماداً على الموساد جريمة اغتيال الحريري الأب تركيباً لقصة جديدة، انخرطت الجوقة فيها امتثالاً لأمر عمليات أميركي واضح، لكنّ أطراف الجوقة ما زالت تعتب وتشعر بالقهر لأن أميركا لم تُكمل المُخطط بالإجهاز على سورية، واكتفت بما تم تحقيقه؟.
في 2006 ازداد منسوب العتب والقهر، فلم تمتنع أميركا عن التدخل لسحق حزب الله، بل تركت إسرائيل - حسب اعتقادهم - تلعق جراحها التي لم تشف منها حتى الآن؟.
ومنذ 2011 حتى يومنا هذا يأكل القهر بأطراف الجوقة إياها لأن أميركا لم تتدخل في سورية بالمقدار الذي يجعلهم يرتاحون منها إلى الأبد؟.
يُعتقد أنّ القصة أكثر وضوحاً من محاولة توضيحها، فهناك من هو إسرائيلي بيننا أكثر من الإسرائيليين، وبيننا من هو أميركي أكثر من الأميركيين، بدليل أن هؤلاء ما زالوا يعتبون على أميركا وتفتك بهم مشاعر القهر لأنها لم تُحقق لهم ما تريده إسرائيل؟!.
وأمّا لماذا لم تفعل أميركا ما يُثلج صدور قادة الجوقة إيّاها، فله بحثٌ آخر لا يتعلق بالرغبة إسرائيلية كانت أم أميركية أم خليجية، بل بقدرات الطرف المُستهدف وقوته وصلابته ووعيه وثباته وإنجازاته، وهذا ما يُمثّل ربما الأسباب الإضافية لارتفاع نبرة العتب على أميركا، وليفعل القهر بأصحابه فعلاً فتاكاً.