«أخماسهم» التي يضربونها بـ «أسداسهم» اليوم، لا تشبه أخماس الآخرين ولا أسداسهم التي كانت متطابقة حتى الأمس القريب.. وحتى حاصل الضرب لا يتساوى، والنتيجة أيضا لا تتقاطع مع كل الخلاصات التي يتسابق الغرب اليوم لقطافها أو للعمل بمقتضاها، بعد أن غيرت الدبلوماسية الأميركية اتجاه الريح، أو على الأقل عدلت من مسارها وتحاول أن تغيّر بالتالي من أدواتها.
فالغرب.. الذي تحكمه المصالح، لا الصداقات، يتقن فن الاستدارة حين يقتضي الأمر، ويجيد التقاط اللحظة، فيجري حساباته، ويقارن حاصل الضرب مع نتيجة الطرح، ولا يتردد في ابتلاع لسانه إذا اقتضت الضرورة، كما أنه لا يتوانى عن رمي أوراقه إذا تطلب الأمر ذلك.
والغرب أيضا يعرف متى وكيف يكون الانعطاف.. فالفرنسيون المتحمسون لتسليح الإرهابيين استداروا دون أن يرف لهم جفن، ووبال أعمالهم في ليبيا، تظهرها مستنقعات مالي، ونتائج اندفاعاتهم تفضحها أطماعهم وتضيف إليها مزيداً من الرعونة، لكن عندما حضرت لحظة الاستحقاق لم يتأخر وزير خارجيتهم في قطع الطريق والنأي بالنفس عن توريد السلاح.
والأميركيون الذين دفعوا بالأعراب إلى مقصلة التورط، وبالتركي إلى بوابة الجحيم الإرهابي، يتبرؤون من التسليح والمسلحين، ويعلنون القطيعة - التي تدينهم أكثر مما تبرئهم - مع سخاء المال الخليجي وكرم الاستضافة التركية، وهم غير مهمومين كثيراً بالحصيلة التي قد يوصل إليها تزاحم الأعراب.. وتدافع العثماني، ولا هم معنيون إن كانوا سيجدون المخارج، فالمصالح لا تعرف لغة العواطف.
الحصاد المر، يعرفه الأعراب قبل غيرهم، وإن لم يحن بعد حصاد أكله، فإنه آت دون ريب، ووقت الاستدراك قد فات أوانه أو شارف، والأمور بخواتيمها، والواضح ان الخاتمة لا تشبه البدايات في شيء، والنتيجة لا تتوافق مع التمنيات ولا الأحلام أو الأوهام.
هذا ليس استعجالاً في الاستنتاج، ولا تسرعاً في القراءة، لكن حين يستدير الغرب، أو يقف للاستدارة، لا بد لأدواته في المنطقة أن تتدافع بحثاً عن المخارج، وأن تتزاحم للتداول في القادم، وأن تبحث في الوقت بدل الضائع عن بعض المساحات الشاغرة على عربة الانتظار لحين جلاء الحصيلة النهائية.
فالحديث ليس فقط بداية لتصفية أدوات فقدت دورها، بل محاولة معلنة وواضحة لإعلان افتراق لم يعد بعيداً، أو في الحد الأدنى التحضير التمهيدي له، ريثما يعيد الأميركيون ترتيب الأوراق لطاولة تتراكم عليها ملفات دولية ساخنة سيكون الحدث السوري نقطتها المفصلية فيها.
السوريون لن يجادلوا في المسلمات ، لكن لن ينسوا حجم الألم ولن يتنكروا لمساحة المعاناة، وليس بمقدورهم أن ينسوا أو يتنكروا للدم الذي باعت فيه الأعراب واشترت.. ساومت وابتزت حتى التخمة، وعلى الأعراب ومن استكان لنزواتها وأوهامها أن يحصدوا ما زرعوا.. فمن زرع الريح لا بد أن يحصد الأعاصير.
a.ka667@yahoo.com