واستقرارهم ومصيرهم ووحدتهم وحريتهم, لكنهم استراحوا واسترخوا وداخلتهم مشاعر الأمان والاطمئنان من جهة, والامتنان والتقدير والاعتراف بالجميل من جهة ثانية, يوم رفع المندوبان إياهما يديهما بالفيتو ذاته مرة ثانية ضد مشروع قرار أدق وأرذل من الأول!
ولأن السوريين بطباعهم الفردية والمجتمعية يميلون إلى الوفاء بالعهود, وإلى البذل في سبيل الاحتفاظ بالأصدقاء الصدوقين أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها, وإلى سداد الدين أياً كان ولو بعد حين, فإنهم لم يعدموا مثل هؤلاء الأصدقاء في المحن والشدائد التي مروا بها, رغم خيانة البعض من هؤلاء لهم ولسوريتهم, ولأن الوفاء مثل الأمانة مقولة كلية حيث الأمين لا يمكن أن يكون لصاً في الوقت ذاته, كذلك الوفاء لا يمكن إلا أن يكون كلياً وكاملاً, فلا يتداخل معه الانتقاء والاستنساب والمزاج المتقلب !!
أتساءل هنا وببراءة تامة.. لماذا يكون على روسيا أن تكون صديقة لسورية والسوريين في جبهة ما, ولا يكون على سورية أن تكون وفية لصداقة روسيا في جبهة أخرى؟
بمعنى أوضح, لماذا يكون على روسيا أن تقدم لسورية ما تستطيعه من الدعم السياسي والعسكري, ولا يكون على سورية أن تكون وفية في ما تستطيعه من سداد الدين اقتصادياً مثلاً.. إن عجزت عن الوفاء بالمثل؟
حتى الآن, لا يلمس السوريون وفاء اقتصادياً أو غير اقتصادي على دين روسي سياسي وعسكري, لا يلمسون هوىً سورياً مجتمعياً لروسيا والروس يصعد بنا, بدلا من هوى مجتمعي للغرب يهوي بنا منذ عقود طويلة من السنين, وبالتحديد منذ سايكس بيكو التي كشف الروس عورتها في حينها وحذروا العرب الذين صموا آذانهم عنها, فهل ثمة من يصدق أن التقنية والحضارة الروسيتين اليوم.. وهما اللتان تقارعان في الفضاء على القمة كما في الأرض على السيادة الكاملة.. هل يصدق أنها تعجز عن إرضاء ذوق المستهلك السوري؟؟؟
رغم الرؤية السياسية الحاذقة ورغم التوجيه بالتوجه شرقاً بعد إفلاسنا شبه الكامل على يد الغرب, ورغم مرور أكثر من عام على أزمتنا الغربية المنشأ, ورغم إدراكنا الناجز فيها بالتمييز بين العدو والصديق, لا تزال مؤسساتنا المجتمعية الاقتصادية.. والعامة منها قبل الخاصة مثلا, لا تزال عاجزة عن حسم
الوفاء لمن يستحق الوفاء, لا تزال تتثائب وتتململ وتماطل كما لو أنها فطمت من حليب الغرب وحضارته وتقنياته حصراً.. ودعمه السياسي والعسكري لنا خاصة!! فتأبى شراء طائرة من روسيا في وقت تتسول قطعة غيار من الغرب !
مثلما حسمت عقيدة جيشنا الوطني الباسل الأمر لمصلحة سيادة سورية واستقلالها ووحدة شعبها وترابها, كذلك ينبغي لعقيدتنا الوطنية الموازية, في هذه الحكومة أو في القادمات بعدها, أن تحسم الأمر ذاته للمصالح ذاته امهما اختلفت عقائدنا الحزبية ومهما تعددت سياساتنا وسياسيينا, بدل أن يوقفنا الغرب في ضفتيه الأطلسيتين كل يوم على قدم واحدة وهو يقرأ علينا مزاميره في الحصار والعقاب .. فثمة دماء أخرى أنقى وأطهر تتسع لها أجسادنا .. وتنتظرها شراييننا!