تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التفهم الأوروبي..!

قضايا الثورة
الاحد 11/12/2005م
علي قاسم

لم يكن أحد يراهن على موقف أوروبي رسمي يتجاوز ما اعتدناه من مهادنة مع الأميركيين, ولكن في الوقت ذاته لم يكن منتظرا أن تقتنع أغلبية الدول الأوروبية بالتبرير الذي قدمته رايس في جولتها, حتى باتت الضجة السياسية والإعلامية حول فضيحة السجون السرية في أوروبا ونقل المعتقلين في خبر كان.

والأهم من ذلك ما بدر عن الأوروبيين من رضا, لم يتوقف عند حدود القبول بما قدمته رايس, إنما أيضا بالموافقة على منطق الدفاع عن الاستمرار في التعذيب كأحد الأساليب المشروعة أميركياً, وكأن العالم بكل ما لديه يحتاج إلى إعادة نظر في مفاهيمه على ضوء ما تطرحه الإدارة الأميركية.‏

ولعل التسريبات الشحيحة عن الأدلة الأميركية على ما اعتبرته إطارا لفهم ما يجري, يجعل من العسير جدا قراءة مبررات القبول الأوروبي, إلا في إطار البحث عن ذريعة لامتصاص الغضب الشعبي الأوروبي الذي بدا مصدوما من الممارسات الأميركية, ومذهولا من الانتهاك لأبسط قواعد السيادة الأوروبية.‏

وثمة من راح يروج لمقولة إن أوروبا المصدومة بالنهج الأميركي, لم تستوعب بعد دلالات هذه الاستباحة, وليس بمقدورها تحمل تبعات, أن تقول للإدارة الأميركية مغزى الامتعاض الذي يجتاحها دون أن يترافق بردود فعل لها منعكساتها على العلاقة المهزوزة أصلا مع الأميركيين, وبالتالي كان الحل الوسط تسويق ذلك على أنه فهم أوروبي رسمي لمقتضيات الفعل الأميركي.‏

غير أن عدم الربط بين السلوك الأميركي وبين السياسة الحالية لإدارة الرئيس بوش لم يكن مستساغا من قطاعات واسعة من الأوروبيين, ولاسيما لجهة الإقرار المسبق بأن كل ما برز حتى الآن يعكس رغبة أميركية في تحويل أوروبا إلى حاضن يستوعب كل حالات التجاوز في الممارسات الأميركية.‏

وهذا ما يمكن فهمه في أسباب التكتم على الحلقة المفقودة التي يتم البحث عنها لفهم الدوافع الحقيقية لقبول أوروبا الرسمية, بما يرفضه الشعب الأوروبي وخصوصا بعدما كانت التسريبات تتحدث عن مهمة شاقة تنتظر رايس في أوروبا.‏

وإذا كان الشرخ واضحا بين ما تقبل به السياسة الأوروبية وتمارسه على أرض الواقع, وبين ما ينتظره الشعب الأوروبي فإنه بدا هذه المرة أكثر سخونة, وينطوي على مفارقات صارخة, لا تكتفي بالمواجهة مع المنطق بل أيضا مع التاريخ الأوروبي والحضارة الأوروبية ومع ما اعتادت أوروبا على التمسك به وتصديره للعالم.‏

وإزاء ذلك كان من الموضوعي أن يذهب البعض إلى تفسير جملة من الظواهر في الداخل الأوروبي, ومنها لماذا يرفض مشروع الدستور الأوروبي, وكيف كان بالفعل رفضا للسياسيين ونهجهم أكثر مما هو رفض للدستور, ولماذا أيضا تأخذ الخلافات الأوروبية حد القطيعة بين الدول ,ولماذا تتسم أغلب ردود الفعل حيال الكثير من القضايا بالتشنج والحدية..?!‏

لذلك بدت التفسيرات متقاربة حول ماهية العلاقة بين طرفي الأطلسي, وإن حدود التبعية الأوروبية لم تتقلص أو تنكمش كما أن ما سمي بالاستقلالية الأوروبية لم تكن أكثر من شعار, أو هي في أفضل حالاتها طموح ما زال هناك الكثير من العمل للوصول إليه وحتى لملامسته..!!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 علي قاسم
علي قاسم

القراءات: 7091
القراءات: 1010
القراءات: 1169
القراءات: 955
القراءات: 956
القراءات: 943
القراءات: 1074
القراءات: 905
القراءات: 844
القراءات: 941
القراءات: 990
القراءات: 875
القراءات: 813
القراءات: 864
القراءات: 1068
القراءات: 947
القراءات: 766
القراءات: 954
القراءات: 975
القراءات: 1036
القراءات: 991
القراءات: 869
القراءات: 1039
القراءات: 948
القراءات: 1079

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية