أما الذين يراهنون على «المجتمع الدولي»، كمصطلح فضفاض وخادع، فهل لهم أن يدلونا على حالة واحدة، ومنذ الحرب العالمية إن لم يكن منذ ظهور المسألة الشرقية، لم يخدعنا فيها ذلك «المجتمع الدولي» ولم يفتتنا، ولم يستنزف حتى عظام موتانا..
أين كان الضنينون بدمنا، وبدموعنا، منذ سايكس-بيكو، إلى وعد بلفور؟ وحتى القرار 242 الذي تحول إلى مهزلة دبلوماسية، بل وإلى مصيدة دبلوماسية ندرك جيداً كيف تعاطت مع العرب، ومع أرض العرب..
أجل، دماؤنا غالية، ودموعنا غالية، فهل فات الذين يختالون (حفاة أو متسولين) في أروقة الأمم، كيف توظف تلك الدماء، كما تلك الدموع، في خدمة من لم يشعروا أي يوم أننا بشر أسوياء، وأن أرضنا لنا، ومواردنا لنا، حتى إن منظريهم يستغربون كيف أننا، «كظلال لاهوتية رثة» نوجد فوق تلك الأرض المقدسة استراتيجياً وأيديولوجياً على السواء..
أحدهم وصفنا بـ«برابرة العربة الأخيرة من القطار»، والمقصود العربة الأخيرة من الزمن، ودون أن تقوده أصابعه، أصابعه العمياء، إلى من دفع الأمة إلى مستودعات الغيبوبة والاجترار..
وحين يكون وجه سورية بهياً، يكون وجه الأمة بهياً، فلا نؤخذ بإغواء اللحظة، ولا تستهوينا غوغائية هذه الشاشة أو تلك، ما دمنا نعلم حتى من يتحكم بالهواء، ألم يقل بابلو نيرودا «لماذا دمنا هكذا دم الحثالة»؟ هذه هي نظرة القياصرة الذين يخاطبوننا على أننا الرعايا الذين لم نغادر، ولن نغادر قط، ثقافة الفتات!
لا مناص من أن نضع العقل إلى جانب العقل. نختلف؟ هذه طبيعة الأشياء. نتفق؟ هذه ضرورة الأشياء لأن من اختار أن يكون على هذه الأرض، بحساسيتها الإستراتيجية والتاريخية الهائلة، إنما اختار أن يكون صدره هو صدر الأمة، وصرخته هي صرخة الأمة.