ولعله من نافلة القول أن نقول إن الكتاب هم طليعة التقدم الاجتماعي والحضاري وأن المجتمعات الراقية توليهم الكثير من الأهمية (وهم أحياء) لا بعد أن يواروا الثرى.
كما تعلق آمالها على رجال الصحافة وتتعامل مع الصحافة على أنها السلطة الرابعة.. وإذا خطر لنا أن نسأل أنفسنا لماذا لا نرى في بلدنا كتاباً كباراً كطه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ونعلم أن نزار قباني مثلا عاش حياته مهاجرا أو شبه مهاجر, ونسأل لماذا ليس لدينا صحفيون مرموقون كمحمد حسنين هيكل وأنيس منصور وابراهيم نافع..? ولماذا الصحافة عندنا ليست السلطة الرابعة ولا الخامسة بعد المئة, وليست لدينا تقاليد صحفية أو أدبية فهي تشبه السوق السوداء يفوز بها الأكثر قدرة على القنص والانتهاز..?
نعود إلى خبر نشر في صحفنا الرئيسة الثلاث بصياغة واحدة وبخلط فاضح بين الخبر والتعليق بعيداً عن مهنة الصحافة.. وهو أن انتخابات المكتب التنفيذي ورئيس الاتحاد في مؤتمر الصحفيين تمت بشفافية ونجح الناجحون بالاجماع.
كما نذكر مؤتمر اتحاد الكتاب في ايلول من العام الماضي وكيف كانت نتيجته تماثل نتيجة مؤتمر الصحفيين ونحن نعلم بطريقة (الهمس أو الجهر) أنه تتم تسمية الأشخاص وتوزيعها على المؤتمرين فيختارونها (بكل شفافية).
وبغض النظر عن اسماء الناجحين وقد كنت شخصياً واحداً منهم ذات يوم وقد يكون زيداً أو عمراً (إن هي إلا اسماء سميتموها) ومع احترامي الشديد لهم وكلهم زملاء اعزاء يستحقون منا أن نقدم لهم التهاني في مراكز تبوؤوها.
لكن ما يعنينا هو الظاهرة بحد ذاتها ونحن ننظر بعين الحسرة إلى حال(الديمقراطية) في نخبتين هما الأهم في البلد فيما كنا ننتظر تطورات جديدة تواكب العصر بعد سبات عميق دام أكثر من ربع قرن.
وعندما يقزم الكتاب والصحفيون عندنا ويعاملون على أنهم سواسية كأسنان المشط أو كصف العسكر (إلى الامام سر, يمين در, يسار در, وقوف قف)يغدو الابداع كتوزيع (الشوربة) في التكايا.
وندرك لماذا لا نرى في بلدنا قامات مرتفعة إلا من خلال الكوى وإلا من اعتبارات لا علاقة لها بمهنة أو بإبداع وندرك أن الامهات عندنا تلد المبدع وكأنه دودة القز ملفوفة بشرنقة من الحرير ما إن ينتهي من غزلها ونسجها حتى يغدو فراشة تطير في الهواء وتتلاشى.
وإذا كان من حصافة الرأي عند المسؤولين أن يطلقوا المبدعين,ويصبروا على انتقادهم لأن تلك المواقف النقدية هي تبلور الحياة بمظاهرها الاجتماعية والحضارية فإنهم لا يعطون آذانهم إلا للانتهازيين فتنطمس القيم والمفاهيم الثابتة ويغدو الأدب والصحافة كملء الاستمارات يضعها القيِّمون (دود الخل)بين يدي المبدعين ويضعون الكمامات على الأفواه ويتربّصون كمراقبي الامتحانات فيفوز مزيِّفو الحقائق ويغدو المبدع الحقيقي سريع العطب والزوال.
تماماً كما كان يفعل (جدانوف)في الاتحاد السوفياتي ويحاول طمس معالم (تولستوي)و(دستويفسكي)فيما كان لينين يتحاور مع (مكسيم غوركي)صاحب (الأم)ويدعوه أن يترك إيطاليا ويعود إلى بلده الذي برز فيه فيما بعد (ميخائيل شولوخوف)صاحب (ويجري الدون هادئاً).
وكان للكتاب الكبار في الولايات المتحدة الأميركية حظوة كبيرة وشأن عظيم واطلقت لهم حرية الابداع امثال (جون شتاين بك) صاحب رواية (عناقيد الغضب) و(آرثر ميللر) صاحب مسرحية (موت بائع جوال) وفي انكلترا (تشارلز ديكنز) صاحب (قصة مدينتين) و(برنارد شو) صاحب مسرحية (الميجور باربارة) وفي ايطاليا (ألبرتو مورافيا) صاحب رواية (المرأتان) وفي فرنسا (جان بول سارتر) صاحب (العبقرية والجنون) و(ألبير كامو) صاحب (الطاعون), اما الرئيس الفرنسي (شارل ديغول) فقد كان يقرب (انديره مالرو) صاحب رواية (الغزاة) ويعتمد عليه, وقد عيّنه وزيراً للثقافة.
عندما لا يكون الادب والصحافة في بلد اي بلد هم الطليعة فاقرأ عليها السلام. ولا تنتظر منه تطوراً وازدهاراً, صحيح ان صحفنا تنتقد, وأن نقدها يكون لاذعاً في بعض الأحيان لكنها تحفز وتتوثب في (المناسبات) وتجعل من حبة القمح بيدراً.
هناك خط احمر متوهج من اقترب منه لعبت فيه النار وتركته رماداً او مشوهاً في احسن الحالات, وفي احسن الحالات (من يحاول الاقتراب من الخط الاحمر يشطب), وإذا تسلل في خفية أو مصادفة وقعت عليه الواقعة وتبرأ منه اتحاده (أي ثلة الموظفين).
يقول زكريا تامر: إذا أعطانا المسؤولون مترا من الحرية يتسلل حريص منا ويقول: هذا كثير, فتنقص المسافة إلى ذراع. فيتسلل آخر فتنقص إلى شبر ثم تغدو سنتمتراً واحداً, ثم تغدو حبة خردل.
تقول الحكمة العربية: صديقك من صدقك.
ويقول علي بن أبي طالب: رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي.
ويقول الرسول (ص): انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً, ونصرة الظالم هي أن تجنبه الظلم لأن التراجع عن الخطأ فضيلة.
anhijazi@aloola.sy