وهذا قول فيه الكثير من المغالطات أولها اتهام السياسة بأنها مفهوم لا أخلاقي .
صحيح أن في السياسة مصالح ومجاملات ، لكن ذلك لا يعني بالمطلق التجاوز على الأخلاق والقوانين ،فهناك شرعة تحكم السياسة الدولية وتضبط حركة وأداء السياسيين اذا ماتم تجاوزها والخروج عليها ، فإن لذلك توصيفاً آخر لا تغفله القوانين والمواثيق الدولية .
حالات التجاوز والخروج على القوانين والأخلاق العامة رغم تجريم المواثيق الدولية لها هي أكثر من أن تعد وتحصى ، ولو قيض لمراكز الأبحاث أن تحصيها ، فإنها ستقع على حقيقة أن مواقف أميركا والغرب تكاد تكون الوحيدة التي لا تلتزم شرعة محددة ،بل تكاد تكون الأكثر تناقضاً على نحو غير مبرر.
وفي الواقع تبدو هذه المواقف هي الأشد غرائبية ،ذلك أنه في الوقت الذي كانت تتصدى فيه فرنسا - مثلاً - لقيادة مبادرة من أجل الشراكة بين ضفتي المتوسط تجدها تتنكر لكل محددات هذه الشراكة لتسجل خروجاً فظاً عليها ولتتصدى لقيادة عمليات عسكرية بلا أفق سياسي في ليبيا ، فضلاً عن أن هذه العمليات هي خروج وتجاوز حتى على القرار الدولي الذي سرق سرقة ولم يتضمن أكثر من فرض منطقة حظر جوي ؟!
وتبدو فرنسا التي راحت تنزع وتضفي الشرعية على القادة والرؤساء بالشراكة مع أميركا كأنها وشركاءها الأميركيين والأوروبيين لم يتعلموا من دروس الماضي القريب التي كان ينبغي أن يتعلموا منها في أقل تقدير أن من يريد الصعود الىالسطح عليه أن يحسب حساباً دقيقاً يلحظ فيه المدة الزمنية التي يمكنه الاقامة عليه وكيفية النزول عنه ، خصوصاً أن تجارب الأمس القريب في اعتلاء سقوف الحصار والعزل هي تجارب طازجة انتهت بهم الى تذوق طعم المرارة والفشل .
غرائبية المواقف الأميركية والأوروبية ليست في التناقضات التي تنطوي عليها ولا في عدم التزامها شرعة محددة ،وإنما تكمن في تكرار الوقوع في الخطأ ذاته والدخول في متاهات يصعب الخروج منها قبل الغوص في مستنقعات تستطيع تجنبها لو فكرت للحظة بمصالحها الحقيقية.
الغرب عموماً الذي يحشر أنفه هنا وهناك ويسجل تدخلات مرفوضة في شؤون الدول ذات السيادة في منطقتنا وغيرها هو بحاجة أولاً وأخيراً لوقفة مراجعة ذاتية عميقة ينظر من خلالها إلى مصالحه بمنظار آخر بعيداً عن اسرائيل ، وعندما يتحرر من أسر اسرائيل له ،فإنه سيدرك أن الشرق الأوسط الجديد الذي ولد ميتاً لن تنجح محاولات استنساخه ،بل ستكون مقدمة لارتكاب حماقات إضافية لن تنتهي به إلا إلى الفشل.
ali.na_66@yahoo.com