والتي تتلامع تحت الشمس.
ومرة وأنا في الصين أتلهف الى مسجد بكين ولا تواتيني الفرصة فيقدم لي سفيرنا هناك الأديب والرسام زكريا شريقي لوحة رائعة لمسجد بكين. وكذلك الأمر في الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى.. فقد كان مضيفونا ينظرون بعضهم الى بعض حينما أطلب زيارة مسجد وكأنهم يقولون لي: هذا أمر عسير بل خطير.. فأتناسى هذا. ولم تتح لي الفرصة إلا في اسطنبول في مسجد السلطان أحمد الموشى بالآيات القرآنية وباللون الأزرق.
أما في القدس.. وفي آخر زيارة قمنا بها قبل نكسة حزيران فقد كان الإهمال وعدم السؤال يسيطران على موقفنا في زيارة الأقصى.. فكيف والصلاة فيه وعيون الصهيونية الخفية تراقبنا بالكاميرات والمفاجآت؟
والجمعة الفائتة.. أو في أي جمعة تضغط علينا فيها أخبار القدس والمسجد الأقصى وما حوله.. أقف أمام تلك الاعتداءات المتسللة بصمت.. والغامضة على كل ما يمت الى المسجد الأقصى بصلة.. وقرار الموت بدءاً من باب المغاربة ومربط البراق كما شاهدناه وصولاً وليس انتهاء بهدم البيوت العربية ذات الطابع الإسلامي.. والاستيلاء على التاريخ العربي والإسلامي حتى في المقابر.
أقول.. في هذه الفترة التي يهبط فيها العنف في البلاد العربية كالمطر.. وتنتثر الدماء مع الأشلاء.. يطير كل منا بروحه ووجدانه لا بركوعه وسجوده نحو الأقصى ليغرس كلمة الله فيه ملبياً نداء الله أكبر.. يصطدم بهويته التي تحدد دخوله.. قبل الأربعين من عمره.. أو بعدها.. وتخفض الرؤوس حزناً وألماً على من يعتقلون من رموز العروبة والإسلام.. في سجون المحتلين ولا رجوع عن الظلم.. ولا ورقة سلام. والذين صمدوا.. ولا يزالون.. في القدس المحتلة يتواصلون عبر القنوات الفضائية.. للاتصالات أو للمعلومات.. مرسلين أصواتهم التي تخفت يوماً بعد يوم الى أهليهم ومنقذيهم وأبناء عروبتهم من مسلمين ومسيحيين لكي يبادروا ولو بالتنديد.. وبالوعيد والتهديد.
ويختلط الدمع مع الدم.. وتتقطع الأوصال لتغيب الأصوات.. بين بلد عربي وآخر.. بين الأقرباء الذين أصبحوا كالغرباء.. فأي حلم هذا الذي ينسجه الإنسان العربي في المشرق أو في المغرب ليحظى بصلاة في الأقصى.. وهو في الجانب الأقصى؟
وكأن إنذار الشؤم يقول لنا بصرخة اللوم.. لماذا يقاتل بعضكم بعضاً في البلد الواحد.. ولماذا تظلمون أنفسكم وتقطعون أرحامكم بينكم؟
وتظل القدس هي القدس.. والأقصى هو الأقدس.. ولا صلاة في القدس حتى تجتمع الكلمة.. وفي البدء كانت الكلمة.