ساهمت فيها قلاع رأس المال ليس في فنزويلا لوحدها بل امتداداً باتجاهات عديدة مروراً بالولايات المتحدة الأميركية. أقول: قبل أن يحصل ذلك كله لتشافيز، لم يكن غائباً أبداً عن كل الحراك العربي في كل الساحات العربية. وكذا الرئيس الإيراني أحمدي نجاد نجح مرتين وواجه تحديات كثيرة وعويصة بدعم الفقراء.
إن كان أحدكم قد نسي بدء الحراك في تونس من محافظة «سيدي بو زيد»، فعلي أن أذكره أن «البوعزيزي» الذي حرق نفسه، ومن جسده المشتعل اشتعل الحراك في تونس أولاً ومن ثم إلى الساحات العربية. أتخيل أن ما يجري اليوم في سيدي بوزيد يؤكد الرواية. هناك حراك ضد الفقر والبطالة أولاً وقبل كل شيء.
في الغرب حيث التمركز الرأسمالي لا يستطيع أي زعيم أن يتولى الزعامة إن غاب عن دعمه الفقراء! هو ما يسمى عادة بالبرنامج الاقتصادي، ومن خلاله يتم التعامل مع مطالب الفقراء، إما بمهارة التحايل عليها، وإما بالاستجابة لها.
بل إن المثال الأوضح للثغرة التي يحدثها غياب الفقراء عن أي برنامج حتى ولو كان برنامجاً وضع باسمهم كما في الأنظمة الاشتراكية شيوعية وغيرها ولاسيما في الشرق حيث الفقر على أشده، هذا المثال يتضح فيما حصل لهذه الأنظمة «الاشتراكية» عندما تركت لغياب الفقراء أن يحدث تلك الثغرة التي عبرت منها مياه الطوفان قاذفة بكل ما كان يحتقن به المجتمع في وجه الجميع. جاؤوا وحكموا باسم الفقراء ثم غاصوا في نعيم الرأسمالية في بورجوازية الدولة و تنكروا لهم، فغابت العصمة عنهم حتى على مستوى دولة عظمى كالاتحاد السوفييتي.
كل الحراك في الساحات العربية هو غضبة الفقراء! لكن ذلك لا يعني أنني لا أرى حقوقاً سياسية وإنسانية وراء هذا الحراك، صورته المثلى أن غياب الحقوق السياسية و الإنسانية منع الفقراء من الاحتجاج العلني على فقرهم، لكنني أرفض أن يسرق المثقفون ولاسيما منهم الشيوعيون المتطهرون من مبادئهم بإعلان ليبراليتهم الجديدة، والدينيون الطائفيون، والفاسدون الكاذبون، من الفقراء غضبتهم.
الفقراء لايمكن احتواؤهم ببرامج قزمة ارتجالية للتوظيف والتشغيل، ولا بقسائم توزيع السلع الاستهلاكية الضرورية عليهم، ولا ببرامج تستغل غضبتهم للوصول إلى السلطة، بل بالتحالف معهم على أساس ضمان كامل حقوقهم في الحرية والديمقراطية الحقيقية التي تمنع إخضاعهم لقيادة الاستغلال والفساد والسرقة. وفيما تطرحه بعض المعارضات من أقوال لا ترقى أبداً لبرامج، محاولة سافرة لسرقة غضبة الفقراء، وسيرون يوماً أن تلك الغضبة لم تكن أبداً لدعم ما يتقولون به.
مع الحرية لا بد من الرغيف، ومع الديمقراطية لابد من الشغل، ومع الثقافة لا بد من الصدق.
as.abboud@gmail.com