وما كان على الأحد الآخر سوى أن ينتقي قرضاً يناسب طموحاته المريبة، بعد أن ينصاع للشروط التي تُملى عليه، وبعدها لاعليه..!
فكل شيء قابل للحل عند هؤلاء القافزين إلى المصارف من نوافذها الضيقة، فالمشروع الوهمي الذي على أساسه قد يُمنح القرض يصير حقيقة، والضمانات الضعيفة التي لا تكاد تُشكّلُ شيئاً من قيمة القرض تُصبحُ ضماناتٍ – بفضل تقديرات الخبراء شديدة الخبرة – ذهبية تساوي أضعاف أضعاف القرض، ومختلف الوثائق التي يطلب البنك توفرها في إضبارة المتعامل من هذا النوع تكون جاهزة مجهّزة بين ليلةٍ وضحاها حتى وإن لم تكن هذه الوثائق تعكس حقيقة السيرة التي يتّصف بها صاحب القرض، فقد سمعتُ عن أناسٍ قدّموا في أضابيرهم دلائل على نشاطٍ غير مسبوق في ميدان الاستيراد والتصدير على الرغم من أنهم لم يقوموا يوماً بأي حركة تجارية، وأناسٍ آخرين وضعت في أضابيرهم وثائق تؤكد أنهم من كبار أصحاب الشركات والأعمال رغم أنهم لا يعرفون من الشركات سوى اسمها ولا من الأعمال شيئاً.
كان الحديث في مثل هذه الأمور يجري تحت الطاولة كثيراً، أما اليوم فقد جرى تناوله في مناسبات عديدة، وقد أوضحت لنا إدارات بعض المصارف أنها ضبطت بعض مثل هذه الحالات التي تعتمد على وثائق مزوّرة فأحبطت القروض المطلوبة ولم تُمنح، وهنا لا نهدف من حديثنا حالياً إثبات حالة أو حالاتٍ بعينها من هذا القبيل، ولكن نشير إلى أنَّ مثل هذه العمليات التي ما تزال عصابات القروض ماضية في محاولات تنفيذها، فإنها توصلنا إلى نتيجتين:
الأولى : أن هناك تعقيدات كبيرة تتبعها المصارف في منح القروض، فيُحرم من القروض الكثيرون الذين هم بحاجة فعلية للتمويل، وأمام هذه التعقيدات والاصطدام بالطرق المسدودة في وجه الكثيرين فإنهم لا يجدون أمامهم سوى اللجوء إلى إحدى تلك العصابات التي تتمكّن ببراعتها من فتح الطريق وتذليل الصعاب، وهنا نتوجه إلى المصارف لضرورة إعادة النظر بالشروط الموضوعة لمنح القروض، وتسهيلها بما أمكن كي لا يضطر أحد للجوء إلى تلك العصابات.
الثانية : هناك الكثير من المواطنين قد لا يملكون ضمانات كافية على الأرض، ولكن خبراتهم العملية باتجاه معين قد يكون هو الضمان لنجاح العمل الذي لا ينتعش بدون تمويل، وهذه مسألة حقيقية ولكن البنوك لا تأخذ بها ولا تعنيها، أفلا يمكن أن نفكّر فيها قليلاً علّنا نعثر على منفذ يساهم في تفجير الكثير من الطاقات الكامنة ..؟ أم لا أمل في ذلك .. والركون سيبقى لعصابات القروض فقط..؟!