وبالمنحى ذاته يتلاقى ذلك مع قوس يتشكل في المشهد الدولي تبدو عليه ملامح التسخين المصطنع الذي يستعيد اجترار المفردات والمصطلحات، وما إن ينطلق حتى يتلاقى صداه تباعاً في عواصم الغرب التي تخوض كل منها سباقاً محموماً في التصعيد.
كل القرارات السياسية التي تحاول تتبع خيط السياسة الأميركية تجاه مايجري في سورية كانت تلحظ تلك الالتواءات الحادة في مسارها، والتي تعكس في حدها الأدنى تبدلات وتعديلات لاتحكمها التطورات بقدر ماتعكس اتجاه الحسابات المستجدة على الأرض.
اللافت في الأمر نقطتان الأولى تتعلق بتلك الانكسارات والتعرجات التي لايحكمها المنطق ولاتلحظها التطورات، والثانية سرعة الاستجابة في الدوائر الأوروبية للارتدادات التي تتركها.
في الأولى.. ثمة قناعة أن الخيط الأميركي المتدلي يرسم مساحات عجز في فهم الأحداث، لايعكس وضوحاً.. ولايترجم توجهاً، لكنه في النهاية ربما يحاول أن يقدم ردات فعله وفق معطيات هي على الأغلب من خارج مصادر الإدارة الأميركية.
وفي الثانية.. يبدو الاستعجال في الموقف الأوروبي جلياً من حيث حماسته في الاندفاع نحو اظهار تشدده رغم فشله المتلاحق من جهة، ورغم القناعة أن كل التحريض المسبق لم يجلب للفرنسيين والبريطانيين إلا ردات فعل رافضة لهذه المواقف ومن الداخل تحديداً من جهة ثانية.
غير أن المشهد على مايبدو لم يستقر على هذه المعطيات، ولا يؤشر إلى أنه كذلك وفق ملامح تتشكل تباعاً وتنحو باتجاه إعادة ترتيب الأوراق وفق تلك الحسابات، وهذا يرتب بدوره الركون إلى استنتاجات أخرى قد تتغير معها الأنساق الجديدة التي تراهن على ذلك المتغير الدولي.
على الأرض تكاد كل الأدوات التي استخدمت تعلن افلاسها.. وتركن في النهاية إلى افراغ كل ما لديها دفعة واحدة.. تحت ضغط التحضير والتجييش وإعادة استجماع للقوى بعد التقهقر الذي منيت به في الأيام الأخيرة.
فصدور قانون الأحزاب، وبعده قانون الإنتخابات .. قد سد منافذ الذرائع المتتالية وأفرغ عملياً المطالبات كما الاحتجاجات من ورقة الضغط، وحتى التشكيك الذي صدر لم يفلح في تغيير المعادلة، بل على العكس تقلصت مساحة الحياد، وباتت المنطقة الرمادية أقل حضوراً من السابق، وإن الكثير ممن التزم الصمت على مدار الأسابيع الأخيرة وجد ضالته في الحديث المسهب، وعثر على حيزه الذي يبحث عنه أو تذرع بالبحث عنه للصمت.
إذاً المسألة لها حساباتها الأخرى وبوضوح.. وهي حسابات - بمنطق المتغير الدولي -خرجت من نطاق التداول غير المباشر لتكون تدخلاً فجاً وعلنياً، وتعبيراً صارخاً عن أطماع دفينة تطفو على السطح.. وفي التحليل الإعلامي فإنها تنعى كل محاولاتها السابقة ولاتنفي محاولاتها اللاحقة.. بل تعكس حشداً تتضح معالمه على أكثر من اتجاه.
وعليه ربما كانت الأيام القادمة مسرحاً لتطورات لاتخفي نفسها، ولاهي خارج سياق ماحصل ولاتبتعد عما هو مرسوم.. لكن ماغاب عن بالهم أن سورية التي قطعت ظروفاً استثنائية تخط طريقها.. وتفصل بين مايجري.. وبين ماتريد فعله لمصلحة شعبها، وهو أمر لانعتقد أنه يخفى على أحد.
عند هذا الفصل تعدلت الكثير من الحسابات.. تبدلت المعادلات.. وريثما يعاد تدوير تلك الحسابات وصياغة المعادلات الجديدة، تكون سورية قد قطعت شوطاً يزيد إلى رصيدها الوطني والشعبي بعداً آخر يضفي عليها المزيد من الحصانة بوحدتها الوطنية ومن خلال الفرز النهائي بين مطالب مشروعة تحققت، وغايات تخريبية تفضح خفاياها مجريات الأحداث.
a-k-67@maktoob.com