قبل صدور بيان وزارة الخارجية السورية الذي يُطالب بخروج القوات التركية من المناطق التي دخلتها في محافظة إدلب فوراً ومن دون شروط، ذهب كثيرون لاستنتاجات فيها من الوهم أكثر مما لا يتخيله حتى الواهمون أنفسهم الذين قد يكون أمر إدراجهم تحت مُسمى الدول الضامنة دفعهم لحالة تورم جديدة، صار معها لزاماً عليها أن تتعرف إلى حجمها، وإلى حدود مهمتها التي لن يُسمح لها بتخطيها تحت أي عنوان.
في هذا قد يكون مُفيداً التذكير بما لا يجب أن يغيب عن أذهان الجميع، أوله أن تركيا كطرف ضامن، هي ضامن للتنظيمات والمجموعات المسلحة التي أدخلتها ودربتها وسلحتها ودعمتها، بمعنى أنها مَعنيّة بالجانب الذي يُلغي كل ممارساتها السابقة هذه، ولا يُلغي مُساءلتها ومُحاسبتها.
الأمر الثاني الذي يجب أن تتذكره أنقرة دائماً وينبغي ألّا يغيب لحظة واحدة عنها: هو وجوب أن تعي بأن وضعَها الحالي السياسي والميداني لا يسمح لها باللعب والتلاعب، وإلّا فإنها تُغامر بما لا استطاعة لها على تحمل نتائج المغامرة به، وهو ما يبدو أنها تقوم به حالياً خلافاً لما تمّ الاتفاق عليه مع روسيا وإيران كطرفين ضامنين.
إذا كانت تركيا أردوغان تعتقد أنّ علاقتها بجبهة النصرة الإرهابية وسواها من المجموعات المسلحة التي سمحت لها بالدخول الآمن إلى بعض المناطق السورية، ستُتيح لها تنفيذ أجندات خاصة بها، فستكون ارتكبت حماقة جديدة لا يُبررها سوى الوهم المُقيم في رؤوس زمرة أردوغان الأخوانية الحاكمة، ولا يُسوغها إلا حالة التورم التي يُضاعفها ربما الفهم الأردوغاني الخاطىء لحضور تركيا إلى جانب روسيا وإيران كأطراف ضامنة.
لا أثمانَ سياسية سيقبضها أردوغان كنتيجة لتعاون نظامه مع حلفاء سورية، روسيا وإيران، للقضاء على الإرهاب وفصائله، بل في أحسن الحالات يمكن لهذا التعاون أن يُخفف من العقوبات التي تنتظره كنظام مرر الإرهابيين، وسهل للحثالات الوهابية والإخوانية وفتح لها الحدود والمطارات والموانىء والمعابر والبنوك ومستودعات السلاح وميادين التدريب والتأهيل، فضلاً عن الدور القذر الذي قام به نظامه لجهة التحريض والتعبئة والتحشيد.
حالةُ التورم والتوهم التي يعيشها نظام أردوغان هي الحالة الطبيعية التي لا يُمكنه مُغادرتها، وأما الاستثناء فيتجلى بتحرره منها قسراً لا طوعاً لساعات، لأيام، أو لأسابيع، وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع مرات ومرات على الأقل خلال السنوات الأخيرة في علاقته ليس مع دول الجوار فقط، بل مع أميركا، مع روسيا، ومع النمسا وألمانيا وعموم أوروبا.. وعلى الأغلب لن يتحرر منها إلا في حالتين، الأولى عندما سيكتشف أنه يحصد السراب، والثانية عندما سيُساق للمثول أمام قوس العدالة، محلياً، إقليمياً ودولياً!.