فالمشاهد المريعة التي تكشفت في حماة وحمص وجسر الشغور ودير الزور وغيرها من صور الارهاب المتنقل والمتشابه لا يمكن لعاقل أن يتجاهلها ولا لمنطق أن يتجاوزها!!.
تعودنا في عهود ماضية أن نلمس صدى المواقف الأميركية في بيانات وتصريحات، وتعودنا أيضاً أن نرى حجم الأصابع الأميركية في الصياغات المختلفة.. لكن ما لم نعتد عليه هذا «التجرؤ» في الاستجابة للإملاء الأميركي في تجاهل الوقائع.
في مجمل الأحوال.. سيكون من الصعب على أي صورة إعلامية أن تحيط بذلك الطيف الشعبي الواسع الذي تشكل إثر الموقف الرسمي السوري من تلك التصريحات والمواقف باختلاف مصادرها ومواقعها.. والأصعب -ربما- عكس الحالة التي تركها.. وهي تتردد على لسان المواطن السوري العادي.. بأنه طفح الكيل وهذه المواقف لم نعتد.. ولايمكن أن نعتاد على قبولها تحت أي ذريعة كانت..
هذه حقيقة يجب ألا تغيب عن بال أي متابع، بمعنى أن المنعكس الشعبي كان أكبر بكثير من تداعياته على المستويات الرسمية.. وهو أمر يؤكد أن الموقف الرافض لها يحظى برضا وقبول شعبي يفوق أي تخيل، لأن ثمة أسئلة مزمنة كانت تجري عملية تداولها في الجلسات الشعبية، وهي تتحدث بصوت مرتفع بأنها لا تقبل نصائح أحد.. ولا تريد من أحد أن يتدخل.. لأن السوريين أدرى بما يواجههم، وليس من حق أحد في الدنيا الإملاء عليهم.
بهذا التفصيل الدقيق يمكن تلمس الخط الفاصل بين مشهد وآخر، بين التعاطي السياسي مع موقف له معطياته الآنية أو الظرفية وآخر أبعد من ذلك بكثير.. حيث يصبح خطاً أحمر لا يقبل أي سوري به، وحتى إظهار ليونة حياله يصبح مستهجناً.. فكيف بمن يصمت عليه!.
لذلك فإن المسألة ليست فقط في رفض رسمي مطلق لكل ماصدر، بل أيضاً ما تتركه في الوسط الشعبي من ردود لا يمكن تخيل حدودها ومساحاتها وهي ترسم بالضرورة حداً فاصلاً لا يستطيع أحد تجاوزه.
بين حدي المعادلة المتشكلة اليوم يمكن لنا الاستدلال على الاتجاهات العامة التي تبلورت وفي مقدمتها أن الحديث بهذه اللغة غير مسموح به شعبياً، وهذا يقتضي بالضرورة حراكاً رسمياً يستجيب له ويتفاعل معه، وقد اعتدنا على هذا التفاعل الخلاق دائماً.. وهو إحدى سمات الحالة السورية التي سيكون من الصعب على الآخرين فهم أبعادها.. وما تمليه من معطيات.
المثير ربما أكثر من غيره أن تلك المواقف لم تأخذ بما يجري، ولا بما قدمته سورية من دلائل قاطعة على عمليات الإرهاب التي تُمارس.
فإذا كانت واشنطن وغيرها من الدول الغربية قد تعمدت تجاهل وجود تنظيمات مسلحة، وماتمارسه من قتل.. واعتبرته المدخل الذي يمكن البناء عليه لاستهداف سورية، فإنه من المؤلم لسورية والسوريين بكافة فئاتهم وشرائحهم وبمختلف ألوان الطيف أن نجد بعض العرب والأصدقاء الذين هم على تماس مباشر وعلى اطلاع بكل معطيات المشهد -من المؤلم حقاً- أن تكون استجابتهم بهذه الطريقة، وأن تكون المفردات الأميركية حاضرة إلى هذا الحد.
ما فات الجميع أن الصورة بالنسبة للسوريين باتت واضحة.. وخيارهم واضح.. وهو المواجهة حتى النهاية مع كل أشكال التخريب، وكل ماتمارسه التنظيمات المسلحة من قتل وتمثيل بالجثث، وبما تمثله من إرهاب متنقل.. وهي مواجهة ليست وليدة اليوم.. ولدينا ما يكفي من الخبرة والقدرة والإرادة للتعامل معها ومع ظواهرها وكل الاستطالات التي يمكن ان تحضر معها..
من أجل هذا نقول ما نأمله من الأشقاء والأصدقاء هو غير ما أظهروه وحتى ما أضمروه طوال الفترة الماضية.. وما زلنا ننتظر يقظة ولو متأخرة.. ومراجعة ولو محدودة.. وندرك نحن وهم أيضاً أنها خطوة تحتاج الى جرأة حقيقية لا إلى تجرؤ على تجاهل الحقائق..
a-k-67@maktoob.com