تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وداعاً يادمي العربي

منوعات
الأربعاء 11-8-2011
أنيسة عبود

لست أنت الذي اختار اسمه.

ولا نوافذ بيته الأولى، ولا سجادة الكلام ولا سالف الأيام.‏

ولا أنا التي اخترت أبجديتي ولا باب بيتي وخطوتي... ونحن معاً لم نختر المدن الأولى ولا الحارات الأولى التي حملناها في الذاكرة.‏

وما اخترنا إرثنا القديم.. ولا ملامحنا القديمة... وأيضاً لم نشارك أجدادنا حروب طروادة ولا داحس والغبراء ولا صفقات الزمن البدائي...‏

فلماذا إذاً، تغلق باب قلبك وترفض دخولي إلى باب الحياة..‏

2‏

أنا لا أعرف جدّك وأنت لا تعرف جدّي وكلانا لم يختر أجداده.‏

ولعل جدّي كان صديق جدّك أو قريبه، أو نسيبه ولربما كانت جدّتي في زمن من الأزمان جدّتك فلماذا تضع ساطوراً بيننا؟؟‏

ارفع هذا الساطور وانزل الكلام، وأنا عليّ أن أُخفض هذا الساطور وأرفع صوت الكلام.‏

كلانا معاً. تعال نحتسي الذكريات ونبدأ السلام ثمّ نحاول ترميم خرابنا.‏

3‏

هذا هو النهر الذي شرب دمنا.‏

وهذه هي الحجارة التي استلقت عليها أرواحنا‏

هانحن نشرب ماء النهر معاً.‏

ولعل أمّك الآن تسقي أصص وردها من دمنا‏

ولعل أمي تروي حقل الذرة الآن من دم إخوتي وإخوتك.‏

فمن الذي أوحى لك بأن تحمل الساطور وتجز الزمان الذي زرعناه معاً؟؟‏

4‏

أتعرف؟؟‏

نهر العاصي الآن يتلفّت حوله محتاراً.. أين يذهب بحبره الأحمر؟‏

ولأية أوراقٍ صفراء يمنح هذا الحبر أو لأي تاريخ يهديه.‏

كأنك يا نهر العاصي الآن تعيد سيرة نهر الفرات ودجلة وكتب بغداد و ساطور هولاكو. أم إنك تشبه شجر الخابور (الذي لم يجزع على ابن طريفِ)؟‏

شقائق النعمان ستملأ حقول القهر من حمص، وحماة، وجسر الشغور، إلى أنطاكية، وعند باب خليج السويدية السليب سترفع رأسها حزينةً.. ورود دمٍ قانيةٍ تهطل في البحر ثم تعود إلى مواطنها الأولى لتجمعها الأمهات وتشكّ بها تاج الرؤوس العالية.‏

أمهاتٌ رافعاتٌ للحزن خافضات للقلب أنينه. لماذا كل هذا الساطور يا أخي.؟ أهي من أجل الورود فقط أم هذه السواطير لشجر التاريخ.‏

5‏

أتعرف..؟!‏

ستنظر يوماً إلى يديك.. وسترى دمي بين أناملك..‏

ستغسلها مراتٍ ومرات.. وسيبقى لونها الأحمر أبداً.‏

وقد ترسلك العرّافة إلى نهر العاصي لعل ماء الشهداء يطهّرك ولكن – وآسفاه – سيبقى دمي على يديك.‏

ويحك.. كيف تأكل وروحي معلّقةٌ بين عينيك‏

أنا يا أخي لم أخترك أخي، ولم تخترني أنت، القدر اختارنا معاً وهذه الدروب هي التي شاءت أن نمشيها معاً.‏

هي دربي ودربك، فلماذا لا نسير سويةً، نجتاز المنحنيات وعند حدود السماء نزرع غاراً لوطنٍ هو اختارنا ونحن اخترناه وهو لنا جميعاً.‏

6‏

إلى متى نوزّع النّذور على قبر تاريخنا القديم‏

وإلى متى نذبح الأضاحي عن زمننا الذي لم نرتكبه.‏

أنا ما اخترت اسمي ولا اخترت زمني.. أنا فقط اخترت أن تكون أخي في وطني ووطنك، فلماذا تذبح اسمي ؟؟‏

وأنا.. ما كفرتُ بك فلماذا تكفر بي‏

ألسنا معاً أتينا إلى الحياة حفاةً، عراةً من الأسماء والأبجدية والأمكنة... فمن أعطاك الحق لتحمل الساطور وتذبح صوتي ؟.‏

7‏

آه.. يا نهر العاصي، ويانهر الفرات ودجلة والخابور والنيل وكل أنهار العروبة المدججة بالدماء... هل بقي فيك ماءٌ؟ أم أن الذي يجري في عروقك دماء ٌ.. دماء؟‏

كيف ستتوضأ أمي وأمك وأبي وأبوك‏

والشجر الطالع من زوايا الأرض.. ماذا سيحمل من ثمرٍ وأي ورود ستقطف عشتار لأبنائها ؟.‏

يا دمهم..! يا دمنا جميعاً ماذا تقول للنهر الآن، وماذا يقول النهر للأمهات وأي كلام سيهمس التاريخ لأبنائه الجاهلين ؟.‏

8‏

أنا أعرفك يا أخي رؤوما ً فمن أين جاءتك كل هذه القسوة.. أنت الذي كنت رفيقي وأخي وجاري وصديقي واليوم أنا أخافك وتخافني‏

ويحنا على بلدٍ نضيعه بأيدينا.. ويحنا على وطنٍ نحاوره بالساطور ونكتب تاريخه بالرؤوس المقطوعة.‏

صامتون أبناء العروبة.. صامتون يهدرون دمنا فوادعاً يا دمنا العربي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 684
القراءات: 810
القراءات: 732
القراءات: 689
القراءات: 726
القراءات: 655
القراءات: 675
القراءات: 876
القراءات: 922
القراءات: 756
القراءات: 732
القراءات: 770
القراءات: 757
القراءات: 849
القراءات: 752
القراءات: 744
القراءات: 736
القراءات: 818
القراءات: 729
القراءات: 881
القراءات: 739
القراءات: 784
القراءات: 873
القراءات: 955
القراءات: 759

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية