تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«الأستذة» الأوروبية

الافتتاحية
الخميس 11-8-2011
بقلم رئيس التحرير علـي قـاسـم

يسهو المشهد الدولي عن مراقبة الحدث البريطاني.. وتغيب عن ناظريه التفاصيل... مثلما يغيب الاهتمام والمتابعة، لأنه ليس هناك في القوى الدولية من لديه الرغبة في التعاطف مع أولئك المحتجين فهم ثلة من «الأشقياء» الذين يعملون على نشر الفوضى في البلد «الآمن »،

ويريدون إشغاله عن الاهتمام بقضايا العالم الأخرى الاكثر إلحاحاً، كما أنهم سيؤثرون على حماسته وتعاطفه مع هموم الشعوب «المضطهدة»!!.‏

لم يحدث أن أبدت الدول الأوروبية الشغوفة بحقوق الآخرين أي حماسة لنصرتهم وهي محقة في ذلك!!.. بل ثمة من ينظر إليهم بازدراء لأنهم يخاطرون بتبديل المشهد وانقلاب اتجاهه مع مؤشرات انتقال العدوى تدريجياً الى الضفة الأوروبية.‏

ما أظهره الأوروبيون حيال الحدث البريطاني لا يشبه تعاطيهم مع الأحداث التي كانت خارج قارتهم مع الفارق في المقاربة التي أظهروها، وخصوصاً حين يبدو الصمت سيد الموقف، وكأن المفاجأة قد ذهبت بلسانهم، أو أن هذا اللسان ليس لمقاربة مثل هذه الأحداث.‏

المثير أن تداعيات الحدث ليست هنا بالتحديد، ولا في المدى الجغرافي الذي ستذهب اليه تطوراته، لكن في الاحترازات الأوروبية المتسارعة التي على ما يبدو أصيب ساستها بالصم، ولم تعد لديهم القدرة على الكلام ولا التعليق، وهو ما سيفرز مرحلة جديدة في المشهد الأوروبي لا بد من التحضر السياسي له مسبقاً.‏

ورغم أن الأوروبيين يصرّون على رفض فكرة العدوى المحتملة لانتقال المشاهد من الشوارع العربية الى أزقة المدن الأوروبية، فإنهم في الحقيقة يتلمسون مؤشرات الخطورة في الاتساع المطرد الذي شهدته أحداث بريطانيا التي عكست مفاجآت غير متوقعة، بل لم يكن أكثر المتشائمين في أوروبا ينتظر أن يرى ما يراه في تلك الشوارع وأن يكون التعاطي البريطاني معها بهذا الارتباك، وهي التي يفترض ان تختزن تراكمات من الخبرة في مواجهة مثل هذه الأحداث.‏

على كلٍ ليس الارتباك وحده المؤشر على مفارقات تغرق المشهد الدولي هذه الأيام، بل أيضاً هناك جملة أخرى تتوازى معها وأحياناً تتقاطع، لكنها توصل الى النتيجة ذاتها بأن التعامل الأوروبي مع قضايا المنطقة انطوى على أساليب فظة مارسها على مدى قرابة القرن، بل ساهم من خلالها في توطين أزمات فجرت نزاعات دامية. وما عجز عنه في حروبه استعاض عنه بما أبطنه من فتن، وبما تركه من عوامل قابلة للتفجير والاشتعال في أي لحظة، ولم تكن حروبه الخشنة أو الناعمة بعيدة عن ذلك الاستهداف الذي حول المنطقة الى حقل تجارب لسياساته وأطماعه ومن ثم لأساليبه وصولاً الى قياس حدود ومساحة نجاحه فيها.‏

وعبر هذه العقود كانت أوروبا تمارس «أستذتها» على الآخرين .. وتعاملت بكثير من الفوقية مع شعوب العالم الأخرى، وكانت منطقتنا مركزاً متقدماً لنماذج من الصلف الأوروبي المغالي في أحاديته.‏

واليوم حيث تقف السياسة الأوروبية في محاكاة أزماتها أمام حائط مسدود عبرت في جزئية منه أحداث بريطانيا، وما سبقها، وتترك للآتي منها ما تبقى، خصوصاً أن الحدث البريطاني يبدو مرشحاً لانتقال سريع ليس على أراضي المملكة العظمى، بل أيضاً في مناطق أخرى من القارة العجوز..‏

ما ينتظره العالم أن تتجلى الخبرة الأوروبية في إظهار «أستذتها».. وأن تتوضح «كفاءتها» وأن تعبر عن رقيها الذي أريق ماء وجهه في شوارع المدن البريطانية كما أريق من قبل في الضواحي الباريسية وكما هو مرشح ليهدر ما تبقى منه في مدن وشوارع أوروبية أخرى بدأت تتلمس معالم أزماتها القادمة.‏

a-k-67@maktoob.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 علي قاسم
علي قاسم

القراءات: 7066
القراءات: 983
القراءات: 1139
القراءات: 928
القراءات: 931
القراءات: 915
القراءات: 1041
القراءات: 881
القراءات: 816
القراءات: 914
القراءات: 965
القراءات: 852
القراءات: 790
القراءات: 843
القراءات: 1043
القراءات: 920
القراءات: 736
القراءات: 926
القراءات: 949
القراءات: 1010
القراءات: 966
القراءات: 839
القراءات: 1012
القراءات: 923
القراءات: 1049

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية