لكن ذلك بالضبط ما يوجب علينا الحذر من سيناريوهات مغامرة , إن لم نقل شيطانية .
لقد أثبتت العقود الماضية التي تلت الحرب الباردة أن أميركا تحاول أن تحافظ بواسطة تفوقها العسكري على المواقع التي تفقدها اقتصاديا ومعنويا وأخلاقيا , حتى باتت العنتريات العسكرية نهج حكمها وتحكمها , فمنذ سقوط جدار برلين سجل التاريخ عدداً قياسياً من تدخلاتها العسكرية بدءاً من بنما عام 1989 فالصومال وهاييتي والبوسنة , مروراً بغزو العراق , ومؤخراً ليبيا.
الأميركيون يعرفون أن إشهار الوهن وتخفيف قبضة السيطرة على العالم , لن يقابل بالشكر من خصومها , بل بالعمل على إنهاكها , ما يعني أن علينا الحذر من ابتداع سيناريو أكثر إحكاماً ودهاء وجاذبية , سيناريو يموه على الضعف ويهرب من استحقاقاته, ويشكل مخرجاً ولو مؤقتاً, لدولة عملاقة لكنها ترفض الاعتراف بأمراضها الخطيرة .
ولعل السيناريو الأكثر ترجيحاً هو السيناريو الذي يحول الخطاب الأخلاقي إلى أداة للسيطرة, لأن النصر والهزيمة لا يرتبطان فقط بالقوة العسكرية , بل بالقدرة على تسويق نموذج سياسي ومجتمعي يتيح تقاسم المنافع .
ما بين العراق وليبيا فارق مهم , ففي حين دخلت أميركا عمليا البلد الأول وحدها , أتاحت مع البلد الثاني للأوروبيين شراكة تؤمن لهم المضي في ممارسة دور كوني باتوا عاجزين عن أدائه وعاجزين عن التخلي عنه أمام مآزقهم المتوالية , كدول أو كاتحاد .
إذاً وطالما ان هناك توافقاً على خطاب أخلاقي ونموذج سياسي يجتاح كرتنا كالطوفان , فالاحتمال وارد أن تقفز إلى سفينة الأزواج أطراف أخرى تبحث لنفسها عن أدوار قيادية , طالما ان نوحا المعاصر أميركي .
الاطمئنان رجس علينا اجتنابه.
dianajabbour@yahoo.com