في توقيت لا يخفى على أحد في مدلولاته وتداعياته.. وفي أبعاد لا يمكن أن تخطئها عين ,حين مارست سياسة إفراط في التدخل بالشؤون الداخلية إلى حدود غير مقبولة، بل من غير المسموح بها.
فبعد أن عهدت بالمهمة وكالة إلى «أصدقائها» في المنطقة، وحددت لهم المطلوب ، يبدو أن رسائلها وإيماءاتها، المباشرة وغير المباشرة، لم توصلها إلى النتيجة المتوخاة، فكان لابد من اللجوء إلى التنفيذ بنفسها لتفتح البوابة أمام ركب «المترددين» للحاق بها، و«المتحمسين» للذهاب أبعد.
والسؤال.. لماذا ذهبت الإدارة الأميركية إلى هذا المدى، وهي التي تدرك مسبقاً أن مساحة التأثير تبقى متواضعة باعتراف وزيرة خارجيتها، ومن ثم.. ماذا بعد؟!
التحليلات الأولية تتحدث عن «نصيحة» إسرائيلية لإدارة الرئيس أوباما للإقدام على هذه الخطوة، بعد يوم فقط من استبعادها من قبل الدبلوماسية الأميركية، لأنّ وكلاءها أعجز وأضعف من ذلك، بل كانت بعض التسريبات قد تحدثت وبوضوح على أن الصيغة هي صيغة إسرائيلية بحتة!!
وبغض النظر عن مدى صوابية التحليلات أو دقة التسريبات، فإن الجنوح الأميركي والانزلاق المتسرع في أفخاخ إسرائيل وغيرها، لا يقلل بأي حال من الأحوال من حجم الخطأ وتداعياته الخطرة على أكثر من صعيد، بما يحمله في طياته من مؤشرات على تغيير منهجي في أدوات الاستهداف.. وإن كان في النهاية لن يزيد الكثير عليها.
فالرسائل الأميركية التي تُلتقط عادة في عواصم الغرب والمنطقة على أنها كلمة السر للتحرك، ستجد في الخطوة الأميركية مبرراً بل ذريعة لتسريع الخطا وحتى المزايدة على أميركا ذاتها، حين ستكون بعض تلك العواصم سابقة للموقف الأميركي بخطوات، بينما ستجد فيها العصابات المسلحة وأفراد التنظيمات ومَنْ وراءهاإشارة تشجيع على المضي أبعد مما مارسته حتى الآن، وأكثر مما اقترفته من جرائم، وخصوصاً أن منابع الدعم المالي والعسكري لها تشهد زخماً ستزيد منه المواقف السياسية الأخيرة.
ومثلما شهدنا كذباً وافتراءً في الإعلام، سنجد ما يماثلهما في السياسة، وخصوصاً في بعض المواقف التي ستعلن عن اتصالات وأحاديث لم تجر ولم تحدث أبداً.. وكما كانت في الإعلام غير واقعية أو هي من مكان آخر، كذلك في السياسة منها ما سيبنى على وقائع ليست في سورية أو إيراد معطيات وأقوال لم تحدث أبداً وما شهدناه من وزير دولة شقيقة سيتكرر مع أكثر من مسؤول عربي وربما أجنبي.
إذاً نحن أمام فصل جديد من الكذب الإعلامي والسياسي المفبرك، والمواجهة ستكون ذات بعدين أساسيين أولهما التركيز على افتعال مشاهد لم تحدث، والثاني عبر تركيب مضمون إعلامي وسياسي بعيداً عن الواقع.
بين هذا وذاك تحاول جميعها أن تدفع باتجاه تأجيج العنف والتخريب والفوضى من قبل التنظيمات المسلحة التي ستجد فيها مناخاً خصباً لتنشط من جديد وأن تبدل من طريقتها بعد أن أفلست.
كل هذا يعطي إشارات أكثر وضوحاً من كل ما سبقه عن حجم الاستهداف وأدواته ووسائله، ويشير في الوقت ذاته إلى إفلاس على الأرض، وعجز عن تعطيل المشروع الإصلاحي أو إبطاء خطواته .. فالمسألة مطلب أميركي يتحرك برغبة إسرائيلية لا علاقة له بالاصلاح.. تخرج إسقاطاته المتضخمة من عواصم عربية وعالمية اعتادت الاستجابة السريعة لهذه المطالب، وتقدم اليوم دلائل الولاء لأميركا ومن خلفها إسرائيل.
اللافت أن يحاول البعض إدراج كل تداعيات المشهد في صورة تعكس بعض أمنياته والكثير من أوهامه أكثر مما هي ترجمة للوقائع.. فالاستدراج الأميركي إلى خانة المواجهة مباشرة لم يفاجئنا، وإن بدا مستغرباً بل مستهجناً.
المسألة المحسومة أن الفارق بين دخول أميركا أصالة عن نفسها أو وكالة لغيرها وبين تنفيذ الآخرين بالنيابة عنها أو عن وكيل أميركا الإسرائيلي، يكاد يتساوى في محصلته النهائية.. لأن لا أميركا ولا غيرها قادرين على تعديل مسار المعادلة التي ترتسم سواء كانت حاضرة بنفسها أم عبر من وكلتهم بالمهمة.. وما عجز عنه أولئك ومن قبلهم إسرائيل، لن تنجح واشنطن في بلوغه، وقد اعترفت بذلك سابقاً.. ولن يطول اليوم الذي ستكرر فيه هذا الاعتراف.
a-k-67@maktoob.com